العبث هو سيد الموقف في اليمن، وعملية تيئيس اليمنيين من دولتهم تمضي على قدم وساق، فيما تتواصل عملية التمكين للجماعات المسلحة التي تتعاظم حصصها السياسية وسط مباركة الأنظمة الإقليمية وتواطؤ العالم الذي لا يرى سبباً واحداً لمشاركة الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان مع الشعب اليمني .
على مدى الأيام الماضية حدث تناسب عكسي بين الغياب شبه الكلي لليمن عن التناول الإعلامي، وبين تصاعد وتيرة الاحتجاجات المعيشية في مدينة عدن كأحد أكثر النماذج لسوء العيش الناتج عن الخذلان وسوء الإدارة والفساد وطغيان الميلشيات وتواطؤ الأجندات الإقليمية والدولية .
. ليس هناك فرق تقريباً بين اليمن وأفغانستان في هذه المرحلة لجهة الخذلان وتجاهل القوى العالمية لوضعية البلدين البائسة، مع وجود فرق جوهري، هو أن أفغانستان أو ما بات يعرف بـ: إمارات أفغانستان تتمتع بسلطة تمنع الفوضى، وإن كانت لا تعبر بشكل دقيق عن طموحات وتطلعات الشعب الأفغاني ولا تعكس اجماعاً وطنياً .
لقد حدث في السابع من أبريل/ نيسان الماضي تحول سياسي كان يفترض أن ينتج عنه تحول كامل في الوضعية السياسية والاقتصادية وتبدل في نفسيات الناس ومعنوياتهم . لم يكن انتقال السلطة إلى مجلس قيادة رئاسي صمم بعناية من جانب التحالف كافياً لمكافأة اليمنيين عن نحو ثمانية أعوام من الحرب الطاحنة، بشيء من الاستقرار الأمني والمعيشي، وبخطوات ولو خجولة نحو استعادة الدولة والمضي قدماً في عملية الانتقالي السياسي الديمقراطي .
يتواجد الرئيس الجديد الدكتور رشاد العليمي حالياً في العاصمة السعودية الرياض، لا نعلم ما إذا كان قد بدأ للتو دورة بيات مماثلة لتلك التي عاشها سلفه أم أنه لا يزال يأمل في إصلاح الحال .
خلَّفَ رئيس مجلس القيادة الرئاسي وضعاً سيئاً للغاية في عدن، لم يكن وليد اللحظة على كل حال بل نتاج سنوات من الاضطرابات والفوضى التي تصدرها ما يسمى المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو كيان صنعه التحالف وأمده بكل أسباب القوة والتأثير .
خرج الناس في عدن غاضبين من سوء الأحوال المعيشية وتدهور خدمة الكهرباء التي يفتقدونها هذه الأيام أكثر من أي وقت آخر من فصول السنة، بسبب الارتفاع الكبير والمُهلك لدرجات الحرارة في المدينة وفي معظم المدن والمناطق الساحلية .
استجمع الانتقالي بعضاً من ميلشياته وأطلقها في شوارع عدن لتهتف بأقذع الشتائم ضد رئيس مجلس القيادة الرئاسي وضد رئيس الحكومة، في استجرار مناطقي بغيض لسلوك لطالما انتهجه المجلس وغوغائيتيه تحت أنظار التحالف، وهو يحاول أن ينفذ مخطط التحالف الخبيث لتفكيك الكتلة اليمنية الصلبة التي تقع محافظة تعز والملايين من سكانها .
أمام هذا السلوك الوقح حاول رئيس مجلس القيادة الرئاسي أن يتصرف بمسؤولية وأن يطلق من الرياض وعوداً بحل المشكلات التي دفعت بالناس إلى الاحتجاج في عدن، والتي قال إنه يتفهم أسبابها ومبرراتها .
وحينما أخبر الناس كيف سيتصرف، قالها بوضوح إنه سيبذل "المزيد من الجهود لأجل الحصول على مساعدات استثنائية عاجلة من أشقائنا للتخفيف من هذه الأزمة الخانقة في قطاع الكهرباء، والتي تحتاج إلى تدخلات سريعة ".
لكن هل التحالف يجهل المشاكل التي تواجهها المناطق المحررة؟ بالطبع لا يجهلها، وإلا لما قرن عملية التغيير السياسية الأخيرة في هرم الشرعية بالتزامات صريحة بإيداع نحو 3 مليارات دولار في البنك المركزي اليمني .
يبدو أن الوديعة تواجه تحدي الوصول إلى محطة النهائية في البنك المركزي، وما تفسير لهذا التأخير الذي لا ينسجم مع طبيعة التحديات العاصفة في اليمن، سوى أن الوضع في عدن عاد ليعكس تنازع الإرادات وانقسامها على ساحة عدن المضطربة حيث يواصل رجال الإمارات خلق المزيد من الصعوبات أمام مجلس القيادة الرئاسي وإيصاله إلى حافة الفشل لتبدأ مرحلة جديدة من الواضح أن تداعياتها ستكون كاشفة وربما استدعت تحولا غير مسيطر عليه من جانب الأطراف المسلحة ومن يدعمها من المتدخلين الإقليميين والدوليين ..