هذا المقال كتبته بتاريخ ٢٠٢٠/٦/٢٧، وأردت أن أعيد نشره لكي أؤكد بأن السياسي لا يتعاطى مع التفاؤل ولا التشاؤم، بل مع المعطيات، اعتبرني الكثيرون في ذلك الوقت متشائما وطلبوا مني الانتظار حتى يمر الوقت على هذا الاتفاق، وها أنا أعيد عليهم ما كتبت قبل عامين ليعلموا أن مشروع مواجهة الحوثي كذبة كبرى وأن المواجهة الحقيقية هي مع الشرعية ومع تصفية الدولة اليمنية ..
يضع اليمنيون أيديهم على صدورهم ويحبسون أنفاسهم ترقبا لما سيؤول إليه اتفاق الرياض ، متمنين التوصل إلى الحلول السليمة ، بدون ذلك ستندفع جهودهم نحو الاتجاه الخاطئ . العيون كلها متسمرة على الرياض ، خاصة وأن سقوط العاصمة صنعاء في ٢٠١٤ وما تبع ذلك من أحداث خطيرة مازالت تداعياتها مستمرة تحتم على الجميع أن يغيروا منطلقاتهم التي بنوا عليها طريقة المواجهة .
اجتماع الرياض هو للمصالحة بين الشرعية والمجلس الانتقالي . وهذا يجعلنا نعيد قراءة الخطوط العريضة للصراع بين الطرفين . كان الانتقالي جزءا من الشرعية المدعومة من التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات . وبما أن الإمارات تتبنى مواجهة جماعة الإخوان المسلمين ، فقد توجست من حزب الإصلاح وهو جزء رئيسي من الشرعية ، وهو توجس مبالغ فيه إلى حد ما ، خاصة وأن الحرب في مجملها وأهدافها جاءت للقضاء على انقلاب الحوثي في صنعاء ، الذي اجتاح معظم المحافظات اليمنية .
كانت الشرعية قد تمكنت ولو بعد حين من دحر الحوثي واستعادة مجمل ما خسرته من الأرض ، وقد كان للتحالف شأن كبير في نصرة الشرعية وتمكينها ، بيد أن طرد الحوثي من عدن كان لحظة حاسمة في توتر العلاقة بين الإمارات والشرعية ، إذ معه انتقلت الإمارات من موقع النفوذ الخفي إلى حالة القوة الحاضرة ومنعت طائرة الرئيس هادي من الهبوط في مطار عدن ، لتبدأ التصفية العلنية للشرعية من قبل الإمارات .
تمكنت الإمارات نتيجة استرجاع عدن ، من اكتساب ركيزة جديدة لنفوذها تمثلت في الحزام الأمني التي كانت قياداته ضمن الشرعية . وهنا المفارقة إذ بدأ الحزام الأمني يعمل على تقويض الشرعية وإعاقة معركة تحرير صنعاء . لم يكن الأمر متعلق بالحزام الأمني فحسب ، بل تشكلت مليشيات في محافظات أخرى بمسميات مختلفة . الحضور الإماراتي المتأزم استدعى ظهورا لوطنية جنوبية كانت قد تعرضت لانتكاسات عدة ، دون أن تتلاشى ، وبدأت الصراع مع الانتقالي .
والسؤال الذي يطرح نفسه : كيف يستطيع الانتقالي اليوم وهو في الرياض أن يجتهد في المحافظة على مساحة للقرار الوطني وأن يكون متحررا من الضغوط والتوصل إلى صيغة تجعل اليمن أكثر استقرارا ويحتفظ له التاريخ السياسي بإنجاز مشروع وطني يعيد لليمن كرامته المسلوبة وسيادته الموزعة بين دول الإقليم ؟
هل يستطيع الانتقالي أن يعيد التوازن للعمل السياسي ، أم أنه ليس أمامه من خيار سوى الإبحار في محيط مليء بالمخاطر والمفاسد وتقديم ما يرضي شهية الإمارات وتوطيد حضورها ؟ هل يدرك الانتقالي أن مشروع الحفاظ على وحدة وسيادة اليمن سينقله إلى مصافي الحركات الثورية التحررية ؟
سيكون للانتقالي شأن كبير في صياغة المشروع الوطني وستلتف حوله الجماهير من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب لو أسقط فكرة الانفصال بوصفها مشروعا خاسرا ولا تنتج سوى مزيد من التفتيت . هي لحظة فاصلة في وعي الانتقالي لو أدرك أنه كان أداة لضرب مقومات الشرعية وإضعافها وكان بإمكانه وما زال أن يقدم تصوراته لإصلاحها .
أقول بوضوح إن الانتقالي يحتاج إلى جرأة لتحويل اتفاق الرياض إلى مشروع سياسي في إطار الشرعية المستوعبة للجميع وإحداث تحول ممكن باتجاه ضبط الاستقرار وتجنيب البلد السقوط في حالة من الفوضى العبثية . كل الذي فعله الانتقالي حتى الآن لم يكن سوى إضفاء شرعية على الاحتلال الإماراتي كان يفتقدها وكرس حالة شاذة من السلطة الخارجية على جزء هام من الأرض ومن المنظومة الأمنية .
المعنيون بتنفيذ اتفاق الرياض معنيون بتصميم حكومة توصل اليمن إلى الانعتاق المنشود في خظم تعاظم النفوذ الإيراني الذي يجلب معه الصراع الإقليمي والدولي إلى اليمن . وعلى قيادات الإصلاح أن تكسر الحاجز بينها وبين الانتقالي لكسر المفاهيم الخاطئة التي شكلها الإعلام الإماراتي . وفي الوقت نفسه لابد من استيعاب المؤتمر كشريك وطني ليذهب الجميع إلى إصلاح سياسي وعدالة اجتماعية وتصد للفساد ومعالجة الأسباب العميقة والشروخ التي تدفع ببعض القوى للالتحاق ببعض الأطراف الإقليمية .
خلاصة القول إن أي اتفاق خارج عودة عدن وسقطرى إلى حظيرة الشرعية المعترف بها دوليا والاتفاق على إصلاح بنيتها ووظيفتها لن يكون إلا مقدمة لصراع طويل تخسر فيه اليمن ويكسب فيه الإقليم .