ما سأورده هنا ليس نقدا للفكر القومي ولا لعنا للقوميين الذين سقطوا في فخ السلطة ونعيمها وتفننوا في مواقعها ونسوا ما تعلموه في المدارس الحزبية من تفكير على مستوى الأمة إلى الانكفاء إلى سلطة تجعلهم أقل حتى من القطرية التي كانوا يجرمونها في كل خطاباتهم وأصبحوا اليوم يقدمون كل أشكال التبرير للبقاء في مواقعهم .
ما يدفعني للكتابة عن الأستاذ عبد الملك المخلافي، أمور كثيرة منها، أولا بوصفه شخصية اعتبارية، وثانيا، بوصفه مثقفا ومفكرا قوميا، تقلد العديد من المناصب، كوزير للخارجية ونائبا لرئيس الوزراء ومستشارا لرئيس الجمهورية ونائبا للأمين العام للمؤتمر القومي العربي، فموقعه هذا لا يحتم عليه أن يسقط في فخ السلطة ليكون نائبا لرئيس هيئة المصالحة التي يرأسها واحد بعمر أولاده، ليس هذا فحسب ، بل يضاف إلى ذلك أنه لا يؤمن باليمن الواحد الذي يعد جزءا رئيسيا من تفكير المخلافي .
أخشى أن يكون المخلافي قد وصل إلى مرحلة لعن أيام النضال والأفكار القومية ، بعد اكتشافه الفردوس المفقود الذي جاءه على طبق من ذهب ، ولا يضره أبدا أن يكون تحت إدارة من هو في عمر أصغر أولاده ، وأنا هنا لا أقلل من قدرات هذا الشخص ، وإنما أرفع من شأن خبرة المخلافي وتاريخه النضالي على الأقل على المستوى النظري ، إضافة إلى اختلاف تفكير الرئيس والمرؤوس ، فالرئيس انفصالي والمرؤوس قومي يؤمن بالوحدة العربية .
أعرف أن ما يمتلكه الأستاذ عبد الملك يكفيه وأسرته لأن يعيشوا حياة مستقرة ولم يعد المرتب يقدم ويؤخر في مستوى حياته ، وسأسلم بأن الذي دفعه إلى ذلك حرصه على المصالحة ودعم مجلس القيادة في لم الشمل وتوحيد جبهة الشرعية في مواجهة عصابة الحوثي الإرهابية ، لكن ذلك لم يتم على أرض الواقع ، فلم نسمع عن مصالحة ولم نسمع عن تقريب وجهات النظر ، وكل ما نسمعه أن المليشيات تتوالد كل يوم في عدن مثل الفطر ، وأنها تتقاتل على الأراضي المنهوبة بالدبابات والمدرعات وعدن تزداد كل يوم ظلاما والناس تعاني من الحار ومخزون القمح والمواد الغذائية شارف على الانتهاء .
وأنا هنا أطرح رؤية من الكلمات ولا أرفع سيفا وما أطرحه رأيا وليس حكما ، وفقا لما طرحه المفكر إرنست كادمان ، الذي يقول : إن أي عمل يقيم بنتائجه النهائية ، ونحن نقيم وفق ما وصلنا من نتائج ، والسؤال :
أهو شبق السلطة بعد طول حرمان منها ، خاصة وأن الناصريين يدعون دائما أنهم الأولى بها وهم الأعلم والأثقف والأكفأ ، فضلا عن أنهم الأطهر والأنظف ، أم أنه الإحساس بضيق الوقت والرغبة المتلهفة إلى اقتناص الفرصة .
أكون صادقا مع الأستاذ عبد الملك وأقول له لقد لبست ثوبا جديدا ، لكنه يبدو ضيقا عليك ، كضيق الانفصال عن الوحدة اليمنية التي ناضل في سبيلها رفاقك من القوميين واليساريين والوطنيين ، فكيف تقبل أن تكون تحت إمرة شخص يحرض على الفتنة بين أبناء الوطن ويستهتر بهويتهم ويعرض السلم الأهلي للتهديد ضاربا بسلامة الوطن والمواطن وبأمن المجتمع اليمني عرض الحائط ، فموقعك في صفوف الداعمين للشرعية النابذين للانفصال المنخرطين في الانتماء الوطني الحقيقي القائم على مبدأ المساواة بين أبناء اليمن .
لماذا يصطف المخلافي مع المناطقيين ويبتعد عن أولئك الذين ينبذون المناطقية والقروية ؟
لماذا يقف المخلافي في صفوف أولئك الذين يجرمون الشعور بالانتماء إلى الوطن ويرفعون السلاح في وجه من يتمسك بوحدة وطنه وشعبه وبهويته الوطنية ؟ لماذا يسقط من كنا نعتبرهم حصنا للوحدة وسدها المنيع ويتحولون إلى مجرد جسر عبور للهويات المناطقية وعونا للخارجين على شرعية الدولة ؟
إن دعم مجلس القيادة واجب ، لكن الدعم لا يكون بالصمت أو بتمرير أدوات تفكيك الشرعية ، بل يكون بحثهم على التمسك بالدستور وبالتوافق الذي يحقق مصلحة اليمن واليمنيين ويحافظ على وحدة الجغرافيا ووحدة المجتمع ، وهنا نسأل ، أين جاءت هيئة المصالحة ؟
ولماذا لم تنجز شيئا حتى الآن ؟
ولا شك إن عند الأستاذ عبد الملك الجواب اليقين .