ظلت النخب الحاكمة تسرق مقدرات الدولة وتنهبها وقننت الفساد وجمعت ثروات كبيرة لم تتمكن من نقلها حينما دخلت عصابة الحوثي الإرهابية إلى صنعاء ، فما كان من هذه النخب إلا أن تبتلع ألسنتها وتصمت وامتنعت عن مواجهة عصابة الحوثي حتى ولو بالكلمة وغاب عن شاشات القنوات التليفزيونية من كانوا يتسابقون عليها وجعلوها حكرا عليهم يوم كان الأمر يتعلق بتلميع أنفسهم ، أما اليوم فهم بحاجة إلى الحفاظ على ما نهبوه من حقوق الشعب اليمني ، كي لا تصادره عصابة الحوثي عليهم ، وأصبحت بيوتهم الخاصة أهم من البيت الكبير اليمن ، وأموالهم الحرام التي سرقوها أهم من حياة ٣٠ مليون يمني .
وهنا يتساوى من كان في السلطة مع من كان في المعارضة ، فقد كشفت الأزمة أن اليمن كان ومازال فقيرا بالسياسيين ، فسرعان ما تحولت السلطة إلى قوة عارية والمعارضة أظهرت أنها لم تكن سوى ظاهرة صوتية لا أكثر ولا أقل ، نحن أمام غياب للسياسة وللخطاب السياسي ، وبعد هذا كله مازلنا ننتظر من هؤلاء المتشبثين ببيوتهم وأموالهم أن يقدموا لوطنهم حلا سياسيا ، فلن تكون حلولهم إلا بمقاسات بيوتهم ، ومن صادر الحوثيين أملاكهم ذهبوا إلى مناطق أخرى يجمعون بدلا عنها من حقوق الشعب اليمني وغير مستعجلين على مواجهة هذه العصابة حتى يستعيدون ما صادره الحوثيون منهم ، والشعب اليمني يدفع الثمن مرتين ، مرة حين سرقهم اللصوص ، ومرة حين يحمون اللصوص ما سرقوا .
أقول لكل من يقف متفرجا على مأساة اليمن واليمنيين، إن حكم التاريخ سيكون قاسيا والتاريخ لا يرحم أحدا، خاصة أولئك الذين يتحدثون باسم الشعب ويزجون به إلى محارق الموت ، كي يتمكنوا من سرقة ما تبقى من قوته ويبيعون ثرواته ويؤجرون موانئه ويصمتون عن قتله ويزورون الحقائق ويفتحون البلد على المجهول ، ويصمتون عن السعودية والإمارات في استعمارهم الوطن وعصابة الحوثي في استعمارها الإنسان ، وأقبح ما في الحياة أن يدعي المرء الوطنية وهو يتجاهل بلاده .
ما دفعني إلى كتابة هذا المقال ، هو قول أحد الأصدقاء ، لم تعد قراءة الكف ولا السحر أو المنجمون قادرون على فهم صمت النخب السياسية اليمنية على كل ما يجري لوطنهم ، حتى من اخترعوا قواعد الحساب الأربع ، الجمع والطرح والضرب والقسمة وكل علماء الاجتماع والنفس ، لا يستطيعون فك ألغاز صمت هذه النخب ، فقلت له ، لا نحتاج إلى قراءة الكف ولا إلى السحرة أو المنجمين ولا لقواعد الحساب أو علماء النفس أو الاجتماع لنعرف سبب صمتهم ، فقط فتش عن ممتلكاتهم في صنعاء وستعرف الجواب .
تخلى عن الوطن أبناؤه ، فمن الطبيعي أن يتخلى عنه العالم ، قال أحدهم وهو في نشوة الحديث بعد أن وصل إليه نبأ إقالته من أحد المنافذ الجمركية ، لقد جمعت ثروة لو ظل الفقر يلاحقني ١٠٠ عام ، فلن يستطيع أن يلحق بي ، نعم جمعوا ثروات لو أنفق أحدهم في اليوم مليون دولار فسيظل ينفق طوال عمره دون أن تنفد ، لكن مشكلة هؤلاء ليست في قلة المال ، بل في قلة الارتباط بالناس وهمومهم واحتياجاتهم ، يمكن لأحدهم أن ينفق ١٠٠ ألف دولار في ليلة حمراء وليس لديه استعداد أن يمد محتاجا يحسبه الناس غنيا من التعفف .
وبسبب من هؤلاء الذين امتلأت خزائنهم بالمال وفرغت قيمهم من الإنسانية ، قبلوا بالمحتل يدفع أجورهم الشهرية ، وقبلوا بعصابة الحوثي الإرهابية تحفظ لهم ما نهبوه ، وتساوت هنا في الكذب دروس القومية والاشتراكية والدينية والوطنية ، فجميعها أرصدة في البنوك ولا رصيد لها على الأرض ، فهل آن الأوان للفقراء في المال الأغنياء بالوطن أن يثورا على أغنياء المال فقراء الوطنية ؟ هناك من مرغ الحوثي كرامتهم بالتراب ، يمتلكون ثروة لو أنفقوا واحد بالمائة منها لاستعادوا كرامتهم ، لكنهم لم يكونوا أسخياء في دفع المال ، إلا حينما كان هذا المال في تدمير الوطن .