من بين أكثر الأمور مفارقة في سردية ومسار الحرب متعددة الأطراف التي تدور رحاها منذ ثمانية أعوام تقريباً على الساحة اليمنية، هي أن الخطاب الإعلامي فقط هو الذي يكرس الفجوات الوهمية بين أطراف الصراع الأساسيين الثلاثة وهم: التحالف وامتداداته من قوات تقاتل بالوكالة ومشاريع سياسية منفصلة وانفصالية، والحوثيون، بالإضافة إلى الحكومة الشرعية .
تجلت الأزمة في اليمن منذ بدايتها في منتصف العام 2013 كمحصلة تعاون غير مرئي بين دولتي التحالف الحالية: السعودية والإمارات مع الحوثيين وحزب المؤتمر الشعبي العام وشبكة الولاءات السلطوية السياسية والعسكرية والأمنية التابعة له في الدولة اليمنية، وكان ذلك يعني بوضوح أن قوى الثورة المضادة المحلية والإقليمية تعمل بانسجام تام باتجاه تقويض السلطة الانتقالية، وفرض واقع جديد على عكس المسار الناجح لعملية الانتقال السياسي التي شهد العام بجدارتها ونجاحها .
غير أن المشاريع السياسية والجيوسياسية لكل طرف هي التي أدت إلى تفكيك معسكر الثورة المضادة، بعد الإجهاز على السلطة الانتقالية مباشرة، ودفعت بهذه الأطراف لإعادة التموضع في خنادق متقابلة، مع أهمية أن الإشارة إلى أن الهدف المشترك ظل على حاله لدى أطراف الثورة المضادة، وهو الإجهاز على السلطة الانتقالية ومعسكر الشرعية وعلى التركة السياسية لربيع اليمن، إلى الحد الذي تحول معه هذا الهدف إلى سبب قوي لبقاء خطوط الاتصال مفتوحة بين دولتي التحالف والمتمردين الانقلابيين في صنعاء .
المشاريع السياسية والجيوسياسية لكل طرف هي التي أدت إلى تفكيك معسكر الثورة المضادة، بعد الإجهاز على السلطة الانتقالية مباشرة، ودفعت بهذه الأطراف لإعادة التموضع في خنادق متقابلة، مع أهمية أن الإشارة إلى أن الهدف المشترك ظل على حاله لدى أطراف الثورة المضادة، وهو الإجهاز على السلطة الانتقالية ومعسكر الشرعية
لقد استفاد الحوثيون ومن خلفهم إيران كثيراً من الأزمة الخليجية الناشئة في منتصف 2017، ومن التغير الهائل في العقيدة السياسية للمنطقة، وتحولوا إلى استثمار جيوسياسي عالي القيمة بالنسبة للدول الخليجية المتنازعة على النفوذ والسطوة إلى جانب حليف الحوثيين؛ إيران ومنظومتها الإقليمية .
لهذا لا غرابة أن تتجه الهدنة إلى إقرار المكاسب السياسية والعسكرية غير المشروعة التي حازها الحوثيون، وأن يتحول توجه كهذا إلى أساس لبناء توافق غير مستبعد لدول الحوض النفطي في الخليج .
وإن كان هذا التوافق سينتج حلاً في اليمن، ظاهره الحرص على السلام، فإنه في الحقيقة لا ولن يؤمن السلام المنشود لليمنيين بقدر ما يكرس سلطة الحوثيين، في مقابل التمكين الموازي للقوى الانفصالية في جنوب البلاد؛ التي ترتبط بشكل وثيق بدولتي التحالف وبأهدافهما الجيوسياسية في اليمن .
إن كان هذا التوافق سينتج حلاً في اليمن، ظاهره الحرص على السلام، فإنه في الحقيقة لا ولن يؤمن السلام المنشود لليمنيين بقدر ما يكرس سلطة الحوثيين، في مقابل التمكين الموازي للقوى الانفصالية في جنوب البلاد
وهذا يعني أن اليمن مرشح إلى أن يتحول إلى خارطة ممزقة وقوى متصارعة. فقد لاحظ أحد السياسيين اليمنيين خلال زيارته للساحل الغربي، كيف تحول خط الهدنة الفاصل بين قوات الحوثيين والقوات المشتركة بقيادة العميد طارق محمد عبد الله صالح، عضو مجلس القيادة الرئاسي، إلى ما يشبه الحدود الدولية .
هذا يعني أن الخارطة المستقبلية قد تتسع أيضاً لقوة أمر واقع في جنوب البحر الأحمر؛ هدفها التحييد المرحلي للمضيق وللكتلة السكانية الكبيرة في جنوب غرب البلاد، والتي تسكن تحديداً في محافظة تعز المطلة على باب المندب، وتنحاز بشكل مبالغ فيه لثورة التغيير وللجمهورية والوحدة، وتناهض المؤامرة الواضحة على البلاد .
وزير الخارجية اليمني الأسبق خالد اليماني، ما فتئ يغرد عن فرص السلام التي تلوح من التوافقات الظاهرية بين الأطراف الإقليمية والدولية، والبيانات الصادرة عن قمم بايدن في المنطقة وتصريحات المسؤولين الأمريكيين والسعوديين .
المشكلة الحقيقية بشأن الحرب في اليمن هي أن زمام الحرب والسلام ليس بأيدي اليمنيين وقيادتهم الشرعية، كما أن القيادة الشرعية نفسها دفعت لتكون الذريعة الشرعية لتمرير الانقلاب ولتسويغ التدخل العسكري للتحالف
وهو كغيره سرعان ما يلقي بالتهم الجاهزة على الذين يناهضون خطط السلام غير الواضحة هذه، ويستكثر على اليمنيين القلق على مستقبل دولتهم والتوجس من التفاهمات التي تنعقد بعيداً عن أصحاب المصلحة الحقيقية في السلام .
إن المشكلة الحقيقية بشأن الحرب في اليمن هي أن زمام الحرب والسلام ليس بأيدي اليمنيين وقيادتهم الشرعية، كما أن القيادة الشرعية نفسها دفعت لتكون الذريعة الشرعية لتمرير الانقلاب ولتسويغ التدخل العسكري للتحالف بغض النظر عن أهدافه ونتائجه .
لقد أريد للمعارك التي دارت وتدور حتى اللحظة على الساحة اليمنية، وخارطة الصراع الحالية، أن تنتهي إلى هزيمة الشعب اليمني وليس لمواجهة الأخطار المحدقة به، ولإفناء الدولة اليمنية وليس لحمايتها، ولإنهاء السلطة الشرعية بطريقة مهذبة لا لدعمها، وذلك بعد أن أسفر الانقلاب في 21 أيلول/ سبتمبر 2014 المدعوم من الخارج، عن نتائج كارثية للأطراف الإقليمية المتدخلة، وأخص بالذكر منها السعودية، وحتى الإمارات التي ضربت الصواريخ منشآتها الحيوية قبل عدة أشهر .
نقلاً عن عربي 21