يمكن أن نلخص اليمن بصورتين، الأولى في كابوس الأزمة وأعبائها المأساوية على اليمنيين في كل مفاصل حياتهم، وأمّا الصّورة الثانية فهي الأكثر سوءا على وجه الكرة الأرضية ، المتمثلة بإدارة الحكومة لسياسة شؤون البلد وأهله ، وهي الأسوأ في تاريخ اليمن ، والأبعد عن تطلعات وطموحات الشعب اليمني ، واستحق القيّمون عليها والمتحكّمون بالسلطة والقرار، عن جدارة ، لعنة الناس ، كلّ الناس .
الواقع اليمني صار في أعلى درجات ارتجاجه وتمزّقه ، إلى حدّ لا ينفع معه أي محاولات ترقيع للخروق التي ضربت هيكله ، وفي مقابل هذا الواقع المرير يتموضع إفلاس وسقوط تام للنخب السياسية في انعدام مسؤوليتها الوطنية ، وفي اجتماعها على البلد وليس لأجله ، وفي نسفها المتعمّد للاستحقاقات والخطوات والإجراءات البديهية ، لا بل الأكثر من واجبة وملحّة، التي يمكن أن تبني لبلدٍ يقف على أبواب الانهيار الكامل كل لحظة ، جسر عبور إلى برّ الأمان ، وتركته رهينة لأهوائها ومعلقًا على حبل حساباتها السياسية والحزبية الضيّقة .
المناخ السائد في هذه المرحلة لا يوحي بأنّ هناك من يكترث لمصير وطن وشعب ، بل الجميع أمعنوا في التخريب وإعدام الأمل باستعادة هذا البلد من جحيم الأزمة، وإحياء دولة فقدت أعز ما تملك ، انهيار ضارب في كل مفاصلها وإداراتها وقطاعاتها ومؤسساتها وبناها الفوقية والتحتية ، لا هيبة ، لا قانون ، دولة مستباحة لفلتان المليشيات ، وشعبها رهائن للصوص من كل الأنواع ، وثبت بالدليل القاطع أنّ أكثر اللصوص احترافاً وإجراماً هم لصوص المليشيات بسرقتهم للقمة عيش المواطنين وابتلاعها ، من دون حسيب أو رقيب ، وتحويلهم إلى متسولين لحقوقهم .
أمام هذا السقوط يجب أن نتوقع كل شيء ، وأمام فقدان الدولة لهيبتها ، يجب أن نتوقّع استفحالًا للفلتان في كل المجالات ، وأمام الفراغ القائم في مركز القرار ، وإن كانت تحتله كائنات بشريّة إلا أنها خاملة ومتراخية وفاقدة للحدّ الأدنى من المسؤولية ، تصبح كل موبقة مباحة ، وأمام غياب الحسيب والرقيب والراعي المسؤول عن رعيته ، أصبحت اليمن خاضعة لشريعة العصابات وقطّاع الطرق وناهبي الأرزاق .
وإذا كان المناخ العام قد صنّف الفترة الفاصلة بين نقل السلطة من الرئيس هادي إلى مجلس قيادة ، كمرحلة انتقالية، من عهد رئاسي راحل، إلى عهد جديد آتٍ ، إلا أنها في وضع مهترئ ، يُخشى مع إهمالها وتضييعها من أن يتأسس على عدم استغلالها بخطوات علاجية ما ، المزيد من المصاعب والتعقيدات ، وهو ما حذّر نا منه مرارا وتكرارا ، على غير مستوى سياسي واقتصادي وعسكري ، وحذرنا من انسداد الأفق الحكومي وتعطّل إمكانية تغيير الحكومة في المدى المنظور، لأن ذلك سيجعل المناخ العام غير قابل للتغيير ، ومن المؤسف أن يكون تغيير الحكومة ، مرتبط بالتفاهم مع السفير السعودي محمد آل جابر ، وهذا يعني أن الانسداد سيستمر في الفترة القادمة .
وتؤكّد الوقائع ، أنّ الوضع في اليمن سيستمر نحو الأسوأ ، وأن الأمور ستتفاقم أكثر وأكثر وستزداد المصاعب على اليمنيين ، يعود السبب في ذلك إلى التقصير الفاضح من قبل مجلس القيادة في عدم اتخاذ الإجراءات الكفيلة بالحدّ من سوء الوضع في اليمن ، وهناك تخوّف بالغ من انحدار كبير في الوضع الراهن ، تصل فيه الأمور إلى حدّ عدم تمكّن اليمن من توفير القمح والطحين خلال الأيام القادمة .
على صعيد آخر ، يئس اليمنيون من رئيس البرلمان من أن يوجّه دعوة إلى عقد جلسة تشريعية في القريب العاجل، وقد سئموا من عنتريات رئيس البرلمان التي يطلقها بعد كل جلسة تدعو إليها السعودية لتمرير ما يغسل يديها من تبعات عبثها باليمن ، فقد صرح بعد جلسة سيئون في عام ٢٠١٨، أن البرلمان في حالة انعقاد دائم ولم يعقد أي جلسة إلا في عام ٢٠٢٢، وأطلق نفس الدعوة ، مما جعل اليمنيين يتندرون على المجلس ورئيسه ، وأمام هذا الخنوع من قبل السلطة التشريعية بغرفتيها أضحى اليمنيون يدركون أن القائمين عليها قد عقدوا صفقة على البلد وليس لأجله ، يبقى السؤال : هل سيترك اليمنيون بلدهم ومستقبلهم لهذه الكائنات الطحلبية ، أم أن موعدهم مع استرجاع عزتهم وكرامتهم قد حان ؟