تسارعت في الآونة الأخيرة الأزمات التي تعصف بالمؤتمر الشعبي العام داخلياً وخارجياً، ما أثار مخاوف القواعد من زيادة حالة الانقسام السائدة بين المؤتمريين، وصولا إلى مرحلة من التشظي غير المسبوقة، بفعل حالة التنافر بين القيادات المتعددة، فضلا عن حالة الاستقطاب الساخنة داخل أوساط الحزب والتي شجعت بعض الأصوات الحوثية أن تظهر ما تبطن لتعلن للملأ كراهيتها للمؤتمر وعدم رغبتها في بقائه، حتى لو كلفها ذلك تصفية أبو رأس الذي لم يبق شيئا من الولاء إلا وقدمه لهذه العصابة.
بسبب تواصل الخلافات المؤتمرية الداخلية، بات المؤتمر كحزب مستباحا من قبل الحوثي ومن قبل الإمارات والسعودية، وأصبح لكل طرف من هذه الأطراف مريدون وموالون داخل الحزب، ما ساعد في محاولة رهن القرار الوطني المؤتمري إرضاء لأجندات وبرامج سياسية غير وطنية داخلية وخارجية، سواء ما يتعلق بقيادة صنعاء أو القيادات الأخرى، وأصبح الحزب بكل ثقله تابعا لهذه الأطراف وفاقدا لقراره السياسي وغير قادر على الإسهام فيما يتعلق بقرار الحرب أو السلم .
ليس سرا إذا قلنا إن ما جرى في الأيام الماضية في اللقاءات التي تمت في القاهرة من تنافس بين بعض هذه القيادات ، قد أظهر حجم التناقضات التي أثرت سلبا على وحدة وتماسك هذه القيادات وعلى قدرتها في المشاركة في قيادة المشهد الوطني ، حتى وهي على رأس هذا المشهد وفي أعلى مؤسساته ، لكن هذه القيادات ، لا تختلف عن أبي رأس الذي سلم زمام المؤتمر للحوثيين وأصبح دمه مهدورا منهم وبالمثل هذه القيادات سلمت زمام المؤتمر للإمارات والسعودية وأصبحت سلطاتهم مهددة بالإسقاط إذا لم تستمر في رهن المؤتمر للتشظي والتفكيك .
تقوم الإمارات بدور تخريبي داخل المؤتمر الشعبي العام لا يقل عن الدور الحوثي ، بتشجيعها لطارق صالح وإغداق الأموال عليه لتحشيد قيادات مؤتمرية بجانبه واستخدام المال السياسي لدعم كتلة برلمانية وجمعيات خيرية لترويج خياراته السياسية داخل المؤتمر ، شريطة أن يكون هذا العمل تفكيكا وليس توحيدا ، فهي تمنع عليه التواصل مع كتلة المؤتمر الموجودة في المحافظات الجنوبية ، ولن تمكنه من أي عمل يسعى إلى توحيد المتناقضات داخل الحزب .
كان لافتا أن يتمكن طارق من توسيع نفوذه ، لاسيما داخل كتلة البرلمان المتصارع عليها والتي يصر البركاني على احتكارها بالرغم من رئاسته للبرلمان ، فالملتحقون بطارق من البرلمانيين ، بالإضافة إلى الصراع على قيادة كتلة المؤتمر البرلمانية يرون أن طارق يمثل بديلا قد يحقق لهم طموحاتهم الشخصية بالمال والسفر ، خاصة وأن الإمارات توفر له الدعم المالي والمنابر الإعلامية ، وبالمقابل يتنافس العليمي والبركاني على الدور السعودي ، كل ذلك جعل علاقات المؤتمر العربية والدولية تتراجع ، بالرغم من الاتفاقات التي وقعها الحزب مع كبريات الأحزاب الدولية .
بالمقابل هناك قيادات تقف في المنتصف ، ترفض رهن الحزب لأي طرف من الأطراف ، وهي تحظى بتأييد واسع في أوساط القواعد المؤتمرية ، صحيح أنها لا تحظى بالدعم الإقليمي ، كونها ترفض التبعية وتسعى إلى علاقات تقوم على المصالح المشتركة ، لكنها تشكل مصدر إزعاج حقيقي للأطراف الثلاثة ، ما جعل الحوثيين ورئيس البرلمان يسعون إلى معاداتها وتشويه صورتها .
وبعد هذه السنوات من الصراع داخل قيادات الحزب وتصفية كل مقوماته المادية والمعنوية ، مازال أبو رأس في تحالفه مع عصابة الحوثي برغم كل ما تقوم به ضده وضد المؤتمريين والشعب اليمني وما نجم عن ذلك من كارثة إنسانية غير مسبوقة وتعطيل كل مجالات الحياة ، أيضا ما زالت الأطراف الموالية للإمارات والسعودية تعكس تسليمها للقرار الوطني ، بإضافة تسليمها لقرار المؤتمر الذي ربما لو أحسنت هذه القيادات إدارته لجعلها تتخفف من الضغوط الممارسة عليها بوصفها ممثلة لسلطة الشرعية .
نخلص إلى القول ، أن الأزمات المتلاحقة قد أسفرت عن تشظي الحزب وتشتيت آلية اتخاذ القرار السياسي داخله ، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي ، كل ذلك ساهم في إضعاف المؤتمر عموما وفي عدم القدرة على إنتاج قرار وطني موحد ، سواء فيما يتعلق بالحرب أو السلم ، وللخروج من هذا المأزق وقبل أن تقدم عصابة الحوثي على تصفية أبي رأس ماديا والسعودية تصفي رئيس مجلس القيادة ورئيس البرلمان معنويا ، يجب تشكيل لجان موحدة تدير العمل السياسي والإعلامي واستعادة العلاقات الداخلية مع جميع المكونات والخارجية على المستوى الإقليمي والدولي ، فرئيس مجلس القيادة الرئاسي يمتلك برلمان ويمتلك قوة سياسية ، يمكنه من خلالها نسج علاقات مع جميع المكونات السياسية اليمنية والاتفاق على عقد سياسي واجتماعي يعيد اليمن إلى حاضرتها العربية والدولية ، وبغير ذلك سيدفع الجميع أثمانا باهضة من الذل والهوان .