يقف أساتذة الجامعات اليمنية وأساتذة التعليم العام والقضاة أمام إحراج تاريخي لم يسبق له مثيل، ففي المناطق التي تحكمها عصابة الحوثي الإرهابية ، صمتت هذه الشرائح ليس فقط عن الدفاع عن المشروع الوطني ، بل أيضا عن مصادرة مرتباتها وعن تجريف الوظيفة العامة وسار معظمهم في ركب المشروع الإمامي ، وفي المحافظات الجنوبية تماهت هذه الشرائح مع الدعوات المناطقية وسار أغلبها في ركب الاحتلال الإماراتي السعودي .
ففي المناطق التي تسيطر عليها عصابة الحوثي استسلمت هذه الشرائح لممارساتها وأعفت نفسها حتى من الإضراب العام للتعبير عن الرفض والمطالبة بالحقوق ورفض التجريف والنهب للمؤسسات الاقتصادية والبنوك ومصادرة المرتبات ، بل وانعزلت هذه الشرائح عن المشهد السياسي ودخلت في في صراعات ونقاشات ساعدت وعززت من قبضة الحوثيين في مصادرة الدولة ومؤسساتها .
أما في المحافظات الجنوبية ، فقد كانت هذه الشرائح غذاء لفتنة وصراعات هامشية وهمية انخرط فيها البعض بأجندات داخلية وخارجية ، بعيدا عن مفهوم الحرية والسيادة الوطنية ، فقبل هذا البعض بالتبعية وتخلى عن دوره الوطني ، ووطن نفسه في تبعية تتنافى مع دوره النخبوي ، بالتأكيد هناك البعض الآخر لديه أفق واسع ومدرك لثقل المسؤولية الملقاة على عاتقه ، لكنه انعزل وآثر الصمت .
في مجملها لم تتخذ هذه الشرائح موقفا يعبر عن حقيقة رفضها المساس بالمشروع الوطني والسيادة الوطنية وتجريف الاقتصاد والتغيير الجغرافي وتكريس الطائفية والمناطقية ، بل قبلت هذه الشرائح أمورا كانت إلى فترة قريبة تعد ضربا من الخيال ، كمصادرة المرتبات والقبول بتعيين الجهلاء على رأس المؤسسات العلمية مؤهلاتهم الوحيدة ، هي انحدارهم الجيني المزعوم وكذلك القبول باحتلال أجزاء من الأرض اليمنية .
ما يراه اليمنيون من سلوك هذه الشرائح التي كانت إلى وقت قريب تمثل جذوة الحرية ، وأصبحت اليوم مساهمة في حالة الإحباط والاكتئاب العميق الذي أصاب نسبة كبيرة من أبناء الشعب اليمني ، ولم تقم بما تقوم به هذه الشرائح في العالم ، فقد عرت سنوات الحرب هذه الشرائح وكانت الحرية والسيادة المذبح الذي سقطت أمامه هذه الشرائح وتبين خواء أفكارها وبعدها الإنساني ، فبعضها وقف إلى جانب عصابة الحوثي الإرهابية والبعض الآخر إلى جانب الاحتلال السعودي الإماراتي ولم يظهر الصوت الذي يقف إلى جانب اليمن واليمنيين .
لقد خلت الساحة اليمنية من جبهة وطنية توصل القضية اليمنية إلى العالم ، فاليمن تدفع ثمن الصراع السعودي الإيراني وتدفع ثمن كراهية العالم للسعودية وتدفع ثمن تسوية الملف النووي الإيراني وتدفع ثمن خلافات المؤتمر والإصلاح ، فتحولت مأساة الشعب اليمني إلى عالم افتراضي تديره أمريكا وبريطانيا من خلال الأمم المتحدة التي تنسق لهدنة لا تقوم على حلول سياسية ، بقدر ما تقوم على إعطاء فرصة لعصابة الحوثي بالتجنيد للمواجهة القادمة ، وتعطي فرصة للسعودية والإمارات لإنهاء ما تبقى من هياكل الشرعية .
خلاصة القول، إن النخب السياسية اليمنية فشلت في حماية الكرامة الإنسانية وتماهت مع المليشيات العسكرية وانشغلت في الاصطفاف وراءها، وإلا ما الذي يجعل أساتذة الجامعات والتعليم العام والقضاة لا يدركون خطورة عصابة الحوثي ووحشيتها واستوعبوا فقط أنها تواجه العدوان، والذي يجعل هذه النخب تتماهى مع المجلس الانتقالي وهو ينزعج من علم الجمهورية اليمنية ويتوشح العلم الإماراتي، أتوقف عند هذه النقطة وأترك لأحرار اليمن أن يجيبوا عن هذه الأسئلة .