الفساد ليس كله رشوة ، ولا محسوبية ، لكنه أيضا ضياع حقوق الناس ،
وحرمانهم من فرص يستحقونها، وتوريث الوظائف فساد، ففي الوقت الذي كان الناس يقاومون توريث الوظيفة الأولى بالدولة لابن رئيس الجمهورية وجدوا أنفسهم أمام توريث الوظيفة للزوجات ، ولم يعد الترقي المهني والوظيفي قائما على التحصيل العلمي والكفاءة والخبرة ، بل نتيجة القرابة والعلاقات الشخصية .
بالأمس أصدر وزير الإعلام معمر الإرياني قرارا بترقية الأستاذة أفراح محمد خان إلى نائب مدير عام قناة حضرموت، بالإضافة إلى كونها مديرة لإدارة البرامج، وقبل هذا القرار، كان قد رفض ترقية الصحفي المخضرم سعيد علي المعمري الذي يعمل في مؤسسة الجمهورية منذ ٣٠ عاما ويحمل درجة الماجستير في الإعلام والمشرد من بيته في تعز بحجة أنه لا يملك توجيها صريحا .
إن الخرق غير البريء الذي قام به الوزير ، هو تحطيم للقاعدة القانونية بعدم التوظيف خارج قانون الخدمة المدنية واعتمد فقط على كون الأستاذة أفراح حرم عضو مجلس القيادة الرئاسي فرج البحسني ولم يعر موظفي القناة الذين هددوا باستقالات جماعية أي اهتمام ، وهو بذلك يستهدف القناة الوحيدة التي تتبع الشرعية وتعمل من الداخل .
وهذا يؤكد أن الفساد لم ينقطع ، بل تغيرت وجهته والمنتفعون منه ، وما كان يليق بالأستاذ فرج وهو عضو مجلس القيادة ، أن يجعل أولوياته في توظيف زوجته ، وينافس الآخرين على مواقعهم ، لأن هذه الطريقة في تسيير الدولة ليست إلا تكريسا للفساد السياسي والإداري وهو بإمكانه أن ينشئ قناة خاصة لزوجته تديرها وتصبح المالك الحصري لها .
ولست بحاجة للقول ، إن هذه الممارسات الخاطئة تخالف القيم والمبادئ الأساسية لبناء دولة القدرة والعدالة ، دولة المواطن والكفاءة ، دولة المؤسسات الفاعلة ، دولة القانون ، وليس دولة القرابة وتوزيع المغانم ، وما أقدم عليه البحسني ، يخالف قرار رئاسة مجلس القيادة الذي هو عضو فيه بمنع تعيين الأقارب من الدرجة الأولى والثانية في مناصب الدولة ، وإذا كان زواج الأقارب يؤدي إلى أمراض وراثية ، فإن تعيين الأقارب يؤدي إلى فساد إداري .
كان بإمكان البحسني أن يصنع كما صنع المعتمد بن عباد حينما رأت زوجته نسوة يخضن في الطين ، فاشتهت أن تخوض بأقدامها ذلك الطين ، فأمر المعتمد بالعنبر والمسك والكافور وماء الورد وجعله طينا في القصر وجعلها تخوض بأقدامها ذلك الطين ، حتى لا تنافس الفقيرات في تمرغهن بذلك الطين ، والبحسني يمتلك من المال ما يجعله ينشئ قناة تلفزيونية خاصة بزوجته حتى لا تنافس أصحاب الخبرة والكفاءة وتتسبب في نزوح جماعي لموظفي القناة ، مما يؤدي إلى توقفها .