أود في ذكرى انتفاضة ٢ ديسمبر الإجابة على السؤال خارج القوالب الجاهزة في الانتقاص من طوق صنعاء والاستهلاك المعتاد والمناكفة والتشكيك، إنما من خلال تفسير منهجي .
لأن لهذا الحدث أهميته في السياق اليمني ومناهضة الحوثي .
في البداية، لا يمكن نكران شعبية صالح الكاسحة. لكن تلك الحشود التي كان صالح يكوّنها انعقدت بشكلٍ مناسباتي وفي فعاليات سياسية. وكان صالح يدعو أنصاره مستفيداً من إمكانات وموارد الدولة .
كما كانت تعدّ لها موارد كبيرة وهي أشبه بمهرجان لا يخلو من البهجة ويقوم على تعبئة دعائية انتخابية تخلو من احترام قواعد الديمقراطية القائمة على عدالة التمكين الإعلامي للمتنافسين مثلا .
لكنها أيضا كانت تنطوي على منفعة مباشرةً لبعض المحتشدين .
في تلك الحشود كان صالح يدعو جماهيره إلى فعالية "سلِمية" تنتهي بالانتصار عادةً. كانت جماهير صالح تذهب وراءه لأنه السلطة والخيار الرابح .
أما انتفاضة ديسمبر فقد حدثت في لحظة لم يعد صالح يملك كل موارد الدولة وقدرتها الإعلامية. سيما وكان قد أتاح للحوثيين التضخم الأمني والعسكري والاشتراك في إمساك زمام صنعاء .
إلى جانب أن شرعية صالح كانت قد بدأت تتآكل تدريجيا من 2011. ولم يتم ترتيب حزب المؤتمر ليكون قوة سياسية ذاتية قادرة على خلق قياداته وخوض نقاش داخلي حقيقي .
منذ أن بدأت الحرب في اليمن في يوليو 2014 ودخول التحالف العربي فيها في 2015 كان "الجيش اليمني" هو الخاسر الأكبر وضمنا كان صالح هو الخاسر الأكبر . كانت الوحدات مكشوفة ومرصودة وعرضة للاستهداف والتدمير. بينما الحوثي يتعاظم حيث يستولي على السلاح ويلتهم الموارد ويضم الأفراد .
في 2017 كان صالح محاصراً عملياً وذهنياً من الحوثيين. وهو إذ يدعو الناس لحظة حصار دون استعداد مسبق ولا تنسيق شامل مع قوى محلية وإقليمية، إنما يدعو جماهيره إلى مواجهة. أي إلى الصدام والموت. بينما هي جماهير لم تُجَهَّز لهذا الأمر طيلة عقود. فطبيعة العقد الضمني بينها وبين صالح لا يقوم على الفداء المتبادل. بينما يتحرك الحوثي بأعداد أقل لكنها ذات تعبئة قتالية جهادية وما تزال تحتفظ برغبتها الانتقامية من صالح رغم انزلاقه في تقارب سياسية واستراتيجي معها .
لا يمكن الانتقاص من طوق صنعاء وتعليل ما حدث على أنه خذلان لأن طوق صنعاء هو الطوق الفاعل في الآلة الحربية للحوثيين. والخيانة هي الوصمة الجاهزة للهروب من تفسير سببية الواقع .
لكن العلة تكمن أولاً في تراجع صالح إلى خلفية المشهد من 2014 رغم كارثية الواقع وعبثية مشهد الحوثي في صدارته. تلك الحيلة جعلت الحوثي هو الفاعل الرئيس ووفرت له قوة رمزية لثلاث سنوات على حساب كاريزما صالح ودهائه وإمكانياته .
ثانياً في آلية التعبئة والحشد التي كان صالح ينتهجها مع جماهيره لسنوات وفق إيقاع وغاية معينين. ثم اختلفت الغاية لحظة دعوته إلى الانتفاضة بينما غابت المحفزات إلا لنفر قليل .
أطلق صالح دعوته تلك من داره بينما واجهته الجماعة الحوثية إعلاميا بكل وسائل إعلام الدولة التي استولوا عليها. وهذا فارق كبير في الشرعية الرمزية للحدث .
في المحصلة، انتفاضة ديسمبر رصيد إيجابي في المعركة الوطنية وصالحة لتغذية جذوة النزعة الثأرية لأنصار صالح وإخراجهم من جلباب الحوثي الذي فتك لاحقاً بمن تخاذلوا عن نصرة صالح. ولكي تجري هذه الانتفاضة في مشروع مناهض له أفق وطني سيتحتم عليها أن تتموضع في مساق التغيير الحتمي في اليمن الذي تخطى 2011 بكثير .