ينبغي أن يدرك الفاعلون السياسيون في اليمن (دولة وأحزاب وقوى وأشخاص) بأن واحداً من أهم المتغيرات التي طرأت على السياسة الدولية والعربية هو تحول العلاقات السياسية بين الدول والتكتلات من شكل (التحيز للحليف الواحد) إلى شكل (الانفتاح على الحلفاء المتعددين) .
إلى ما قبل الحرب الأوكرانية لم تكن المعادلة السياسية الدولية تسمح لدول المنطقة بازدواجية علاقاتها بين قطبين أو حليفين، أما اليوم فقد أصبح واقع العلاقات والتحالفات علاوة على منطق المصالح القُطرية لكل دولة عربية قائماً على تنويع الاقتراب والابتعاد بين الأقطاب الدولية والإقليمية، وصارت مصالح الدول ترتكز على تجزئة ملفاتها المحلية ووضعها في عدة اتجاهات .
لم يعد مجدياً اليوم وضع البيض في سلة واحدة في إطار أحلاف دولية كبيرة طويلة الأمد، وقد بدأت كثير من الدول المحورية في المنطقة العربية انتهاج سياسة تنويع علاقاتها وتجزئة مصالحها وإعادة تشكيل تحالفاتها بين القطبين الغربي والشرقي استجابة للتحولات الكبرى التي أفرزتها تطورات الواقع السياسي خلال العقد المنصرم .
ووفق هذا الواقع الجديد يتوجب على الدولة اليمنية وهي تعاني من أزمتها الطويلة أن تتعامل مع الحقائق السياسية من منظور واقعي لفتح آفاق أوسع لصناعة الحلول لمشكلاتها المزمنة التي فشلت محاولاتها السابقة في تجاوز انسدادتها طيلة الفترة الماضية، والتفاعل مع التطورات التي فرضت نفسها لتنويع وتوسيع العلاقات وموازنة التحالفات بين عدة أطراف تحت قاعدة أن العلاقة مع طرف لا يعني العداوة مع طرف آخر، فواقع المرحلة الراهنة قد تجاوز ذلك المنطق، مع عدم إغفال موازنة الأهمية النسبية في الاقتراب والابتعاد من هذا الطرف أو ذاك بحسب معطيات الواقع المحلي وبما يحقق أكبر قدر من المصالح المشتركة .
وإذا ما تم إدراك هذه الحقيقية والبدء بصياغة العمل السياسي في ضوئها فإننا قد نشهد انفراجة وشيكة تضع الملف اليمني في مسار الحل النهائي العادل، الضامن لتحقيق السلام المستدام واستعادة الدولة وبنائها .