كان أبو رأس على وشك عقد مؤتمر عام في مطلع شهر يناير الحالي، لكنه تأخر بسبب ظروف خارجة عن إرادته، تمثلت بعدم التزام الحوثيين بتقديم الميزانية المناسبة للتحضير للمؤتمر وعقده إضافة إلى أن بعض قوائم المرشحين مازال فيها بعض المؤتمريين الذين يرفضون بقاء الحزب عبارة عن كيان دائم، يعمل كوكيل من الباطن للحوثيين .
هؤلاء يرون أن الحزب لم يجن من تعاونه مع الحوثيين، وفقاً للشراكة، غير الضعف والهوان والانحسار شعبياً وسياسياً، سواء على المستوى المحلي أو العربي أو حتى الدولي ، وأنه بسبب تلك الشراكة فقد المؤتمر حضوره السياسي ودوره إزاء القضايا الوطنية والشعبية وحتى إزاء الحوثي نفسه ، ويعتبرون ذلك نتاجا لارتباط الحزب بمصير الحوثي ، مما أصابه الجمود ، وأصبح مجرد هيكل يعطي المشروعية لجرائم الحوثيين داخليا وخارجيا .
الهدف الأساسي لهذا المؤتمر الذي يسعى إليه أبو رأس هو تصفية الحزب سياسيا عن طريق تسليمه لقيادات موالية للحوثيين كتمهيد للسيطرة على المؤتمر وعلى قراره، خاصة بعد أن تمت تصفيته اقتصاديا ببيع كل ممتلكاته ومصادرة كل حساباته .
الحديث عن حزب المؤتمر لم يعد تكرارا لما نعرفه جميعا من ثوابت وحقوق وطنية بقدر ما أصبح تعبيرا عن القلق الكامن في ثنايا ما لا نعرفه وما يتم التخطيط له من قبل الحوثيين لتصفية الحزب وإغلاق ملفه بشكل نهائي، والخطورة في هذا السياق ليست محصورة فقط بما تخططه عصابة الحوثي، بل بما يخططه القريب سواء أكان مؤتمريا أو عفاشيا كما يحلو للبعض تسمية نفسه .
الجريمة التي نحن بصدد الحديث عنها وتحليل عواقبها تتعلق بالتآمر الداخلي من قبل المؤتمريين أنفسهم على الحزب بالتعاون والتنسيق مع من يطلقون على أنفسهم العفافيش ، لأن هذه التسمية تؤسس لكيان جديد خارج لوائح وأنظمة الحزب ، فهؤلاء وعلى الرغم من أي خلافات قد تكون فيما بينهم ، إلا أنهم على ما يبدو متفقين ضمنا على إنهاء الحزب ، واقتسامه كتركة قابلة للتقسيم وليس كرافعة سياسية للجمهورية والوحدة .
يبدو أن الثمن الأهم الذي تسعى تلك الأطراف للحصول عليه هو رضا عصابة الحوثي عنها من ناحية ومن ناحية أخرى ظهور كيانات جديدة يتم دعمها بهدف التخلص من هذا الحزب الجمهوري بغض النظر عن إرادة قواعد الحزب، ويهم تلك الأطراف الحصول على الدعم في ذلك المسعى .
الحديث عن صفقة بين أبو رأس ومؤامرة تصفية الحزب، يجب ألا ينظر إليه باعتباره تطورا جديدا خطيرا، فالمؤامرات على المؤتمر والمؤتمريين والجمهورية لم تتوقف منذ بدايات الاختلالات التي ضربت الدولة اليمنية، لكن خطورة التطور الجديد هو الدور المعلن والمتسارع في تآمر أبو رأس على الحزب وتآمر المكتب السياسي والذي اتخذ أشكالا ومسارات لم نعهدها من قبل، تمثلت في ضم أعضاء من مجلس النواب المحسوبين على المؤتمر إلى هذا المجلس .
قد يكون من العبث محاولة إلقاء اللوم على الآخرين في تمزيق الحزب لأن ما نحن فيه من انهيار هو في الأساس من صنع قيادات الحزب ذاته قد يكون لعصابة الحوثي مبررا في تفكيك الحزب وإنهاء دوره كونه يحمل مشروعا مضادا لمشروعها، لكن ما هو المبرر لدى قيادات الحزب الممتدة من الداخل وحتى الخارج في المساهمة في هذا التدمير وذلك التجريف؟
إن ما نحن مقدمون عليه من مزيد من الانهيار والسقوط والاستسلام هو محصلة للسلوك الأناني لمعظم قيادات الحزب تجاه القواعد وآمالها في التنمية الاقتصادية والسياسية وتحقيق الأماني الوطنية. تتلازم سياسة أبو رأس في تواطؤها مع الحوثيين، مع المؤشرات المتتابعة للانهيار في موقف القيادات الأخرى تجاه القضية اليمنية والتي تتناسب بشكل طردي مع الانهيار والاستسلام الرسمي للقيادات التي اعتبرت نفسها وريثة انتفاضة ٢ ديسمبر ، لكن للأسف جميع هذه القيادات عكست موقفا عدائيا بشكل علني لحقوق القواعد .
إن الإقدام على عقد مؤتمر من قبل أبو رأس أو تشكيل كتلة برلمانية إلى جانب كتلة المؤتمر من قبل المكتب السياسي يعد الخطر الإستراتيجي على الهوية الوطنية كون ذلك يدعم وجود عصابة الحوثي على الأرض ويدعم استمرارها، إن مثل هذه الممارسة تترجم مصادرة المصالح الوطنية لصالح المصلحة الخاصة، خصوصا بعد أن تم استبدال حالة العداء للحوثيين إلى حالة من العداء داخل قيادات الحزب نفسه .
السقوط العلني للعديد من قيادات المؤتمر الشعبي العام في أحضان الحوثي أو حتى في أحضان جهات أخرى لا يعني سقوط قواعد المؤتمر لكن ذلك لا يعني ترك الحزب لهذه الجهات تتحكم بقراره ومصيره، فقد أصبح إخراج المؤتمر الشعبي العام من نفق الانهيار والاستسلام والتخاذل والتواطؤ مع الحوثيين أو مع غيرهم أصبح أمرا حيويا ومصيريا لمستقبل هذا الحزب والحفاظ على الجمهورية والوحدة الوطنية .
وهذا الأمر يستوجب المضي في الوصايا العشر التي حددها الشهيد الزعيم علي عبدالله صالح وفي أولوياتها فك الشراكة مع هذه العصابة وعدم تركها تمارس دورها البشع في تدمير الدولة ومصادرة إرادة اليمنيين ، وعدم السماح لها بالاختباء خلف واجهة المؤتمر وتحت عنوان «الشراكة الوطنية» الزائفة والتي لم تتجاوز أبدا إعطاء الغطاء السياسي وحشد المقاتلين إلى الجبهات والتجسس الأمني لصالحها تحت شعار زائف آخر وهو "مواجهة العدوان " ، وهذا يقتضي من المخلصين للمؤتمر وللقضية الوطنية سرعة تشكيل قيادة جماعية تقود الحزب إلى المؤتمر العام وتسحب البساط من عصابة الحوثي التي تريد إنهاء الحزب ودوره السياسي والوطني ، وقبل أن يتحول الحزب إلى حزب الحوثي العام .