ما دفعني إلى هذا التساؤل ، هو الاحتفاء بيوم الهوية اليمنية ، وهو احتفاء يحسب لهؤلاء المحتفيين بهويتهم اليمنية الجامعة ، التي اكتنفها شيء من الغموض ، خاصة وأن اليمن توالى عليها الغزاة من كل جنس ولون ، وكذلك الإيديولوجيات المتعددة من قومية وإسلامية وأممية ، وبسبب من ذلك تم تغطية الهوية اليمنية بطبقات مختلفة من الهويات ، بعضها استمر فترة قصيرة والبعض استمر قرونا طويلة ، ونتيجة لذلك وجد اليمني نفسه تائها في مشوار البحث عن الهوية التي تساعده على الانطلاق والتقدم .
ما سبق ذكره ، خلق تنافسا بين الدائرة القومية والدائرة الإسلامية والدائرة الأممية على حساب الدائرة الوطنية ، فاليمن لم تكن بحاجة للقومية ، فهي أصل العروبة ، ولم تكن بحاجة للإسلامية ، فهي التي آمنت برسالة وحملت السيف تارة والقيم الإسلامية تارة أخرى لنشر الإسلام ، كما أنها لم تكن بحاجة للأممية ، كونها أسست حضارة تكاملت مع الحضارات الإنسانية ، كانت تحتاج فقط إلى تثبيت الهوية الوطنية ، بدلا من تمزيقها .
كانت اليمن بلدا متسامحا ومنفتحا على الآخر عبر تاريخها ، فقد آمنت باليهودية والمسيحية والإسلام ، وكانت موطنا للكثير من الفارين من جحيم الحروب ، كالفيتناميين والفلسطينيين والصوماليين والأثيوبيين والإرتيريين والعراقيين والسوريين ، فقد وجدوا فيها ملاذا وملجأ لهم ومستقرا ، وحينما وجدت نفسها في مواجهة حرب فرضت عليها ، تنكر لها بعض من أبنائها ووجهوا سلاحهم إلى صدرها وتخل عنها القوميون والإسلاميون والأمميون وعادوا إلى هوياتهم المناطقية والقروية .
نحن اليوم أمام هوية إلغائية اخترعها الإقصائيون ، حتى أصبحت أنا والانفصالي لا نملك الهوية ذاتها ، وكذلك أنا والحوثي لا نملك نفس الهوية ، لأن الهوية الحوثية والانفصالية تحمل مشروع قتل لليمني المؤمن باليمن الكبير وبالمواطنة الجامعة ، فالانفصالي والحوثي يعبرون عن أنفسهم بشكل دموي ، بينما أصحاب الهوية الوطنية الجامعة يعبرون عن أنفسهم بشكل ديمقراطي .
هناك من تخلى عن هويته اليمنية وأصبح أداة بيد الإمارات التي تسعى إلى انتزاع تاريخ اليمن وتحويله إلى تاريخ للإمارات فساعدوها على نهب الآثار اليمنية ونقلوها إلى الإمارات وقلعوا لها شجرة دم الأخوين من سقطرى لكن هذه الشجرة التي عمرها يزيد عن سبعة آلاف سنة ما قدرت تعيش في بلد عمره خمسين عاما ، فلجأت إلى احتلالها ، وبدأت تحدد موقعها بالقول ، تقع جزيرة سقطرى قبالة سواحل اليمن في المحيط الهندي ، وكأن هذه الجزيرة ليست جزءا أصيلا من جغرافية وتاريخ اليمن ، مما يجعل المسؤولية مضاعفة على أصحاب الهوية اليمنية ، خاصة بعد أن صمتت الحكومة والبرلمان والشورى ومجلس القيادة وقيادات الأحزاب القومية والإسلامية والأممية ، فجميع هؤلاء أصبحوا تابعين للخارج بشكل أو بآخر ، والتحدي الحقيقي للهوية اليمنية ، يكمن في بناء دولة وطنية متحللة من التبعية للخارج .