إذا كانت أول حادثة قتل تمت على وجه الأرض هي قتل قابيل لأخيه هابيل ، فإن أول تهجير لجماعة وطنية من أرضها إرضاء لجماعة أخرى وبأمر رئاسي ، كان تهجير السلفيين من دماج في عملية مخططة ومبرمجة لإعادة توزيع السكان على أسس مذهبية ومناطقية ، جاءت التوجيهات من الولايات المتحدة الأمريكية إلى المملكة العربية السعودية التي كانت تدعمهم بأنه يجب فتح الطريق أمام الحوثيين للوصول إلى صنعاء ، فجاءت الأوامر للرئيس هادي الذي بدوره أعطى مهلة للحجوري أربعة أيام لإخلاء دماج ، قائلا له بالحرف الواحد ، إن التآمر على السلفيين دولي وأن الدولة لن تستطيع حمايتهم .
كانت الإمارات تنتظر خروج السلفيين من دماج وسارعت إلى التقاطهم من الشوارع ، وبدلا من أن يتوجهوا إلى الحديدة ، تم توزيعهم على المناطق التي تقتضيها الحرب فوجهتهم إلى تعز والمحافظات الجنوبية
وبدأت في تشكيلهم في ألوية عسكرية لمواجهة الشرعية باعتبارها خصما ألد من الحوثيين ، ولعل الصراع في تعز يعطينا صورة واضحة لما تسعى إليه السعودية والإمارات ، فقد خاض السلفيون والإصلاحيون المنضوون تحت لواء الشرعية صراعا مميتا تحت مظلة
التحالف والمؤكد أن الصراع المقبل سيكون أشد وطأة على الجميع قياسا بنتائج هذه الحرب .
وإذا كان الرئيس هادي قد شتت السلفيين لإعطاء إشارة ببدء الحرب ، فإن الدكتور رشاد العليمي جمعهم في درع الوطن ، صحيح أن المنضوين في درع الوطن ليسوا كل السلفيين ، فهناك سلفيون يتبعون الإمارات وسلفيون متحالفون مع الحوثيين وهذه التقسيمات ليست اعتباطا ، بل جزءا من خارطة الحرب واستمرارها ، فقرار التشكيل قال ، إن هذه القوات هي احتياطي القائد الأعلى للقوات المسلحة وأنها تلتزم بقانون الخدمة في القوات المسلحة وتعمل بتوجيهات القائد الأعلى ، مع أن الدستور ينص على أن جميع القوات المسلحة تعمل تحت إمرة القائد الأعلى .
ما يمكن أن نخلص إليه أن الولايات المتحدة الأمريكية في كل مراحل الحرب كانت تهيء الظروف للحوثيين الذين صنعتهم خصيصا لتصفية ما تزعم أنه الإرهاب ، وقد حددت هذا الإرهاب بالجماعات السنية بمختلف أنواعها وتعتبر السلفية جزءا من الفكر الوهابي في السعودية الذي بدأ الأمير محمد بن سلمان بتصفيته بتلك الطريقة التي نتابعها بشكل يومي ، وفي اليمن يتم تجميع السلفيين والتحكم بهم لإدارة المعركة القادمة مع الإصلاح ، باعتبار الطرفين قوى راديكالية تنتج الإرهاب من وجهة النظر الأمريكية ويجب التخلص منها .
وبحسبة بسيطة يمكننا تتبع كيف تم تهيئة الساحة أمام الحوثيين بغباء السلطة والنخب السياسية ، فالرئيس هادي خرج لاستقبال الحوثيين إلى عمران عقب قتل القشيبي وقال إن عمران عادت إلى حضن الدولة وقبله اعتبر حميد الأحمر سيطرة الحوثيين على صعدة انتصارا للثورة
وظلت حكومة باسندوة على الحياد أثناء الحرب على دماج ورئيس اللجنة المشرفة على وقف إطلاق النار يحي منصور أبو أصبع بلع لسانه أمام القتل الجماعي الذي مارسه الحوثيون بحق أبناء دماج وجميع قيادات الأحزاب صمتت عن تهجير السلفيين وبتلك الطريقة عبر الجميع عن كارثة أخلاقية وقيمية وإنسانية غير مسبوقة في التاريخ .
وأنا هنا لا أنبش في الماضي لتحميل طرف دون آخر المسؤولية، وإنما أريد من الجميع أن يعيدوا قراءة مفاتيح الحرب في اليمن لكي لا يستمروا في تأجيجها، فالقادم خطير للغاية، ستستمر الحرب ولكن ليس مع الحوثيين، بل بين السلفيين بعضهم البعض وبين السلفيين والإصلاحيين ومن يقرأ تصريح رئيس الاستخبارات الأمريكية عام ٢٠٠٦
سيدرك ما نحن قادمون عليه، فبدلا من تأسيس جيش يمني يضم الصالحين من كل هذه المكونات وبعقيدة عسكرية واحدة، إذا بنا نستحدث مكون جديد خارج مؤسسة الجيش، كم هو مؤسف أن نجد النخب السياسية اليمنية قد سقطت أرضا لالتقاط الدراهم الإماراتية والريالات السعودية ولم تنهض حتى الآن، وكم هو مؤلم أن نجد الجماهير التي خرجت في بعض المحافظات الجنوبية لتفويض عيدروس الزبيدي لاستعادة دولتها، إذا بها اليوم تفوض من يستعيد لها عيدروس من الخارج، فكيف يكون لنا درعًا وطنيًا، بدون وطن ؟