إذا لم نتعرف على أطراف الحرب اليمنية الداخلية والإقليمية والدولية ونتعرف على دوافعهم، فإننا لن نستطيع أن نمضي نحو إيجاد الحلول الحقيقية لها، فحرب اليمن مرتبطة بحروب الشرق الأوسط المرتبطة بالفوضى الخلاقة التي تبناها المحافظون الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية والتي لخصتها كوندليزا رايس عام ٢٠٠٥، بالقول: "عندما يصل مجتمع ما إلى أقصى درجات الفوضى المختلفة في العنف الهائل وإراقة الدماء وإشاعة أكبر قدرا من الخوف لدى الجماهير، فإنه يصبح من الممكن بناؤه من جديد بهوية جديدة تخدم مصالح الجميع".
وقد تم إدارة الفوضى في البلدان العربية ذات التوجه الجمهوري وتم ربطها بالدعوة إلى الديمقراطية في بلدان كانت تزعم الولايات المتحدة الأمريكية أنها غير ديمقراطية، بينما في اليمن ذات التوجه الديمقراطي كان لا بد من إسقاط الديمقراطية والتعددية السياسية لسببين، السبب الأول، حتى لا تتحول اليمن إلى بديل ديمقراطي وإسلامي، لأنها ستمثل تحديا لإسرائيل التي تقدم نفسها أنها البلد الديمقراطي الوحيد في المنطقة، والثاني، أنها تمثل تحديا لنظم الخليج الملكية والسلطانية، لذلك أطلقت أمريكا العنان لدول الخليج بقيادة السعودية تفكيك اليمن وتدمير الدولة والمجتمع بيد عصابة الحوثي الإرهابية التي كان لها الدور الأكبر في إدامة وإنجاح الفوضى الخلاقة.
كانت الديمقراطية في اليمن تطرح تحديات على النظام السعودي، يتصل بشرعيته، فكان ظهور الحوثي مصلحة استراتيجية لها، لذلك دعمت أمريكا السعودية من جهة والحوثيين من جهة أخرى، لكي تصبح الفوضى نتاجا اجتماعيا لمصادرة الاستقرار المجتمعي وأدرت توازنا عسكريا وسياسيا حال دون نجاح أي طرف في حسم الحرب، سواء بانتصار عسكري، أو بحل سياسي، حتى أنها تدخلت أكثر من مرة وبشكل علني لتمنع الحوثيين من الهزيمة، كما أنها تسعى إلى إيجاد هدنة لوقف الحرب وليس إلى سلام دائم ونهائي.
لقد بنت أمريكا سياساتها في اليمن على استراتيجية إطالة الحرب وتمدد الصراع واستمراره، ودعمت عن طريق دول الخليج أطرافا متناقضة في مصالحها وسياساتها وحتى هوياتها، وكان الهدف هو تدويخ الشرعية بالفوضى من خلال المليشيات المناوئة للشرعية، ودعم أمريكا للحوثيين لم يكن أقل من دعم إيران لهم وتحولت من إدارة الأزمة إلى إدارة الحرب، مع التخلي عن أولوية إسقاط انقلاب الحوثي وتسويغ موقفها بمستجدات الأمر الواقع على الأرض، دون أن تسأل نفسها ما الذي أدى إلى هذا الواقع.
اندفعت السعودية إلى الحرب في اليمن من رغبتها في إنهاء الديمقراطية ورغبتها في ردع الحوثيين كذلك، لكنها كانت مكبلة بخطوط حمراء وضعتها لنفسها وأخرى وضعتها لها أمريكا، فاندفعت إلى تعزيز ما بين اليمنيين من تناقضات وخلافات سواء على المستوى الأيديولوجي بين أحزاب اليسار والأحزاب ذات المرجعية الدينية أو على المستوى الاجتماعي والمناطقي، فأنشأت مع الإمارات المليشيات وأغرقتها بالمال السياسي وساعدتها في إحباط محاولات توحيد الشرعية، التي كانت تدافع عن أمن السعودية، في حين لم تدافع السعودية عن أمن اليمن وسلامها.