منذ تأسست سلطة الشرعية وهي تمارس على نفسها العمى وتتجاهل الرؤية، لأنها لا تريد أن تتحمل المسؤولية، فالعمى يولد الانقياد ويمنح صاحبه الراحة والسكينة والأمان ولذة الخضوع، بل إن العمى عبودية وتحنيط للإرادة، لذلك لم نجد من أعضاء سلطة الشرعية من يناقش السعودية والإمارات على ما هو صحيح وخاطئ وبذلك يعفون أنفسهم من المسؤولية ويسلمونها للتبعية المطلقة.
ولست بحاجة للتأكيد على هذا العمى الذي أكده رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي في خطابه الموجه للشعب اليمني بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك والذي قال فيه إن عاصفة الحزم ستبقى يوما خالدا في تاريخ شعبنا والأمة العربية، حيث استجاب الأشقاء لنداء الواجب استنادا إلى ميثاق الأمم المتحدة التي تخول دول العالم الحر بالدفاع عن النفس ومد يد العون لردع أي اعتداء مسلح.
ألم أقل لكم إن العمى يمنح صاحبه الراحة ولذة الخضوع، ولو كان العليمي مبصرا لرأى أنه يتحدث من السعودية وليس من صنعاء، وأنه لا يستطيع مزاولة عمله من أي محافظة محسوبة على الشرعية وهذا إن دل على شيء، إنما يدل على عبثية التدخل السعودي وصرف مليارات الدولارات على الفساد وتمزيق الجيش بدلا من بنائه وتسليحه وتدريبه.
لو لم يعصب العليمي على عينيه لرأى تلك الفوضى التي تضرب العاصمة البديلة عدن وأنه غير قادر على العودة إليها.
لكن العمى جعله مرتاحا وليس مهما أن يرى تلك الانهيارات العسكرية والسياسية والاقتصادية ولم يسأل نفسه كيف سلمت محافظات بكاملها من غير قتال وكيف تحولت مناطق الشرعية إلى جزر متناثرة لا يجمع بينها جامع.
ولو كان مبصرا لرأى حالة الشعب اليمني الذي يعاني الفقر والجوع وغياب الخدمات والمرتبات في ظل إصرار سعودي على أن يغوص هذا الشعب في أعمق حفرة حكومة المتورم بالفساد معين عبد الملك، هذا المخصي سياسيا واقتصاديا، لأن العليمي لا يستطيع تغيير الحكومة، فهو مثله مثل معين عبد الملك، ضعف الطالب والمطلوب.
لو لم يكن العليمي أعمى لرأى أن عاصفة الحزم التي يدعو إلى تمجيدها وتخليدها لم تقض على ميليشيا الحوثي، بل خلقت ميليشيات أخرى ومن هذه المليشيات تلك التي تمنعه من العودة إلى عدن وتجعله غير قادر على إدارة سلطته من أي مكان محسوب على شرعيته.
العمى جعل العليمي مرتاحا ولو كان مبصرا لأزعجته الأزمة المالية التي تعاني منها البلاد بعد أن توقفت الإيرادات وذهبت الجمارك والضرائب لصالح الميليشيات وتحكم الحوثيين بالمساعدات الدولية التي تديرها من صنعاء، ولو لم يكن أعمى لرأى أن اليمن تتجه بعد ثماني سنوات حرب نحو حكم العصور الوسطى الهمجي، فلو حاول أن يفتح عينيه لمرة واحدة، ربما أنه سيقول لا مرة واحدة وسيرتاح مائة مرة وسيريح السعودية أيضا لأنه سيجعلها على الطريق الصحيح، أما إذا بقي في هذا العمى فسيبقي رأسه منخفضا وستذهب اليمن باتجاه العصور الوسطى.