خلال تسع سنوات من الحرب ظلت عصابة الحوثي الإرهابية تزج بالمعارضين لها في السجون والمعتقلات بحجة التخابر مع العدوان السعودي، أصدرت أحكاما بالإعدام للمئات، منهم من تم إعدامه ومنهم من ينتظر دوره، يحدوهم الأمل في الحصول على براءتهم، خاصة بعد وصول السفير السعودي محمد آل جابر إلى صنعاء واستقبله الحوثيون بزامل "اليمن والمملكة شعب واحد وجنود صف واحد" ولم تعد السعودية تمثل العدوان، لكن ما كان يجري في دار الرئاسة من تبادل للأحضان، كانت مشاعر القهر والمرارة تحلق فوق السجن المركزي وضاع أمل المحكومين في خيبة الانتظار، ليدفعوا ثمن العدوان الداخلي والخارجي.
لقد اتضحت الصورة واكتمل الهدف وبانت الخديعة التي صاغتها السعودية وعصابة الحوثي، ساعدهم على ذلك مجموعة المنفيين الذين عاشوا في فنادق الرياض تحت إشراف السفير السعودي نفسه والذين أطلقت عليهم السعودية مسمى الشرعية، لكنهم كانوا شرعية من ورق، لم يمارسوا حكما فعليا وليس لهم أي شرعية خارج الفنادق
وقد أظهرهم السفير السعودي بصورة تبعث على الشفقة وهم يتحلقون حوله طالبو رضاه، لتظهر الصورة الأخرى ذلك السفير وهو يتحلق مع وفده حول الحوثيين بصورة تبين حجمه الأدنى هنا والأعلى هناك.
تحاول السعودية خداع اليمنيين مرة أخرى وتسوق لهم سرابا تزعم أنه سلام، تريد إذلال اليمنيين متكئة على عصابة الحوثي من ناحية وعلى توهان سلطة الشرعية والنخب السياسية في صحراء التواطؤ المخزي والتبعية المهينة، مارست هذه السلطة الصمت ولم يستفزها القتل والإبادة ولا ضياع السيادة، بل إن السعودية بدأت تتهم هذه السلطة بالفساد وأن ذلك دفعها للتفاوض مع الحوثيين ، وكأنها كانت تبحث عن مسوغات لهذه الخطوة، فمن صنع الفساد وأبقى على حكومة ضج الشجر والحجر من فسادها، ومن الذي أبقى على بعض الوزراء منذ ٩ سنوات، ليس لشيء، فقط لأنهم رددوا أغنية فارس في مشيته؟
لم يكن الحوثي ليستمر كل هذه السنين لولا التوافق السعودي الأمريكي وتواطؤ سلطة الشرعية المصنوعة سعوديا وإماراتيا، وليس أدل على ذلك من تواطؤ النخب السياسية والثقافية مع كل ما تقوم به السعودية من تناقضات دون الاعتراض على ذلك، بل تسويغه والدفاع عنه، فمحزن جدا أن ترى ذلك الجمع لأعضاء مجلس القيادة وهم يجتمعون في الرياض وليس في العاصمة المؤقتة عدن، يتلقون التعليمات لما سيقولونه عن اللقاءات الحميمية بين السعودية والحوثيين .
إنه انحدار مفجع، فقد وضع المجلس نفسه تحت الإذلال والإملاءات وليس أمامهم سوى الانصياع، فهو لا يملك جرأة التراجع لوقف الانهيار وليس لدى أعضائه أي استراتيجية لأنهم أحرقوا سفن العودة، مثلما فعل طارق بن زياد، غير أن طارق بن زياد أحرق السفن في خيار الانتصار وسلطة الشرعية أحرقتها في خيار الاستسلام، انتصر طارق بن زياد وهزم طارق صالح ومن معه وتحولوا إلى قوة تساند مشروع تفكيك اليمن وإسقاط الدولة إلى مالا نهاية.
ولست بحاجة للقول، بأن اليمنيين الأحرار لن يقبلوا بهدم دولتهم ولا بإسقاط جمهوريتهم ولن يقبلوا بمبادلة ذلك بمرتباتهم، لأن تلك حقوقهم وليسوا كلابا ينبحون حتى إذا ما أطعموا سكتوا، إنهم الأقيال.
وجدتهم تلك الحميرية التي قالت، إن الحرة لا تأكل بثدييها، وسيكونون مع السلام، حينما تتخلى عصابة الحوثي عن إرهابها وأوهامها بالوصاية الإلهية بالحكم وبالاستحقاق الجيني، فاليمنيون أعصيا على العبودية، أعناقهم تطاول السماء، أسيادا على أنفسهم أحرار في وطنهم.