خرجتما إلى الحياة بعدما غيبتما عنها ثماني سنوات، لأنكما حلمتما بأن تريا بلدكما خالية من العبودية والاستبداد، وها أنتما بعد التغييب القسري تريان أطفالكم وأمهاتهم بعد كل هذه السنين، والسؤال الذي يملأ اليمن من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه، هو كيف ستتعاملون مع إرث الظلم شمالا وجنوبا لتقيموا مكانه عدلا، وأنا على ثقة بأن هذا السؤال قد تحدد الإجابة عليه طبيعة الاتجاه الذي ستختارونه...
إن إقامة العدل أصعب بكثير من إزالة الظلم والبناء، والهدم أسهل من البناء، والحرب أسهل من السلام، لا شك في أن الأمور خارج السجن قد فاجأتكم وقد تبدلت بتبدل المصالح، فقد وجدتم بن حبتور يودعكم في صنعاء برفقة الحوثيين بعد أن تركتموه في عدن في صفوف الشرعية، ووجدتم طارق صالح يستقبلكم في عدن بعد أن كان في صنعاء في صفوف الحوثيين ، وستجدون بعد كل هذه السنين، أن الصف الجمهوري قد انقسم على نفسه قسما أهدر وقته في سب وشتم من كانت له صلة بالنظام السابق ومن له صلة بالنظام السابق أهدر وقته في سب وشتم من كان له صلة بأحداث ٢٠١١...
دخلتما السجن وعدن عاصمة للشرعية وخرجتما منه وعدن عاصمة للفوضى والخراب محرومة من الكهرباء والخدمات الأساسية، الانفصاليون يتعاملون مع الوحدويين بأنهم أعداء يجب رميهم في البحر أو إخراجهم من الجنوب نهائيا وليس لهم الحق في التعبير عن أنفسهم...
كما قلت ستجدون ذات الوجوه التي كانت تنافق الشرعية تمجد الحوثيين والوجوه التي كانت تمجد الحوثيين تنافق الشرعية، لذلك أقول لكما، إن النظر إلى المستقبل والتعامل معه بواقعية أهم بكثير من الوقوف عند تفاصيل الماضي المرير وأهم بكثير من التخندق الذي يريد البعض جركما إليه، لأن التحدي الأكبر الذي يواجه اليمن في هذه المرحلة هي روح الانتقام وإصرار كل طرف على محاكمة الآخر والانتقام منه، والخيار الأفضل هو خيار السلام الذي لا يقدر عليه غيركما، كونكما خضتما تجربة السجن وتقييد الحرية، ووجدتما بأن الأطراف لم ترتوي بعد من دماء اليمنيين ولم تشعر بالذنب بعد مما ارتكبته في حق اليمنيين وذهب كل طرف للمساومة على من يخصونه من المعتقلين دون المطالبة بالحرية للجميع كحق إنساني أصيل، فترك محمد قحطان وفيصل رجب لأنهما ليسوا ضمن قوائم التقاسم، حتى الصليب الأحمر تخلى عنهما، على الرغم من أنهما ضمن قرارات مجلس الأمن، وسأضرب لكما مثلا كيف يتم التبادل بالأسرى وهو غير خاف عليكما، محمد البشاري محكوم عليه بالإعدام في سجون الحوثي بتهمة التخابر مع العدوان، وسليم محمد قايد المعدني في سجون الانتقالي بتهمة التخابر مع الحوثيين ، ولأنهما لا علاقة لهما بالطرفين لم يدخلا ضمن صفقة التبادل وهما مثال للآلاف من السجناء الذين يدفعون ضريبة الكراهية والانتقام ولا أحد يطالب بخروجهم...
لهذا فإنني أقترح عليكما أن تشكلا لجنة "الحقيقة والمصالحة"، يكون أول طلب لها إطلاق كل السجناء والمعتقلين في جميع سجون الأطراف المتحاربة، والدعوة لجمع المعتدي والمعتدى عليه ليعترف المعتدي بعدوانه ويسامح المعتدى عليه المعتدي، أعلم أنها سياسة مرة، لكننا نحتاج إليها لكي نقطع مع الحروب وإلى الأبد ونترك الشعب يختار حكامه ويساهم في ميلاد حريته، وليكن شعار الجميع، هو شعار النبي محمد يوم دخول مكة "اذهبوا فأنتم الطلقاء"، فالكراهية لا تعالج بالكراهية، بل بالتسامح والصفح والجلوس على طاولة الحوار لمنح المعتدي فرصة كي يعدل من سلوكه، تستطيعان كتابة اللحظة الراهنة بالسلام وتجعلان النور ينتصر على الظلام، فلتكونا أيقونتا السلام ولا تكونا مع الذين باعوا يمنيتهم بحفنة من دراهم معدودة، والسلام ختام...