من يقرأ ما بين السطور سيدرك أن ذهاب السعودية إلى صنعاء الهدف منه الانسحاب من استحقاقات الحرب وليس من أجل اتفاق سلام دائم ، وهم يعلمون أن الحوثيين ليسوا جادين بشأن التسوية السياسية ، وأن من رفض تقاسم السلطة وهو قادم من خارجها ، لن يتقاسمها وهو يملكها ، لكن السعودية ترى أن الحوثي سيمكنها من التحلل من تبعات الحرب وفقا للقانون الدولي ، وسيفاوضها على بعض المكاسب الخاصة به ، خاصة وأن الطرفين يتقاسمان العداء للجمهورية والديمقراطية .
ذهبت السعودية إلى صنعاء للجلوس مع الحوثيين بعدما أدركت أن الشرعية قد تم طمسها وأزيلت من الوجود واستبدلت بمجلس قيادة أغلب أعضائه زعماء مليشيات لا يجمعهم جامع ، سوى تبعيتهم للخارج وغير متفقين حتى على المشروع الوطني ، ولذلك لم تفاوض الحوثي على ما للشعب اليمني من فتح الطرقات وإطلاق المعتقلين والسجناء واستعادة الدولة ومؤسساتها والاحتكام للإرادة الشعبية ، بل ذهبت لتفاوضه على أن تفتح له مطار صنعاء وميناء الحديدة وتسلمه مرتبات الموظفين إلى يده ليتصرف بها كيفما شاء .
فهل نحتاج إلى التأكيد بأن ما يجري لن يفضي إلى سلام ، وأن الحوثيين لن يتنازلوا عن مشروعهم في الاستحواذ على اليمن ، خاصة بعد مطالبة محمد البخيتي الآباء بشراء حصالات لأبنائهم ، لكي يتبرعوا بأموال الحصالات لدعم المجهود الحربي وصناعة الصواريخ كما قال ، وما تسعى إليه السعودية ويدركه الحوثي ، هو الاتفاق على هدنة وفتح المطار والميناء ودفع المرتبات ، فالسعودية فتحت الأولوية للانسحاب من الحرب وليس التوصل إلى تسوية سياسية .
من الواضح أن الحوثي استغل وجود الوفد السعودي في صنعاء وبدأ يروج إلى أنه يفاوض من أجل فتح مطار صنعاء لرفع معاناة الشعب ، وهذه كذبة كبيرة ، لأن معاناة الناس لا تقتصر على إغلاق المطار فحسب ، بل تتعداها إلى إغلاق الطرق التي يتحكم في إغلاقها ويستثمرها في معاناة الناس ، فما الذي يجعل هذه العصابة تصر على إغلاق الطرق الرئيسية المؤدية إلى عدن واستبدالها بطرق التفافية ووعرة ، وما الذي يجعلها تغلق مداخل مدينة تعز التي تفصل بين الحوبان والمدينة بضع دقائق وتلجئ الناس إلى استخدام طرق التفافية وعرة وصعبة الوصول ، طالما وهم يصلون إلى المدينة عبر هذه الطرق الوعرة ، سوى الاستثمار في معاناة الناس ؟
بطبيعة الحال ، إصرار الحوثي على الاستمرار في إغلاق الطرق وعدم إلزامه من السعودية أو من قبل الأمم المتحدة بفتحها ، يؤكد عدم التزامه بالسلام ، يشجعه على ذلك عدم وجود طرف يمثل اليمنيين يخوض الحوار معه ، فهو لا يعترف بمجلس القيادة ويعتبرهم مجرد دمى للسعودية والإمارات ، وهو يدرك بأنه سيخوض لعبة انتظار سيكون الفوز فيها من نصيبه ، وبذلك لن يقايض مشروع الولاية بالديمقراطية التي يتقاسم مع السعودية العداء لها .
مما سبق ، يتضح لنا أن الحوثيين يرون أن السلام يقوم على الموافقة على مشروعهم المطروح ، بحيث يتحول اليمنيون إلى كائنات خادمة لهم ، مقابل السماح لهم بالأكل والشرب بلا حقوق سياسية ، لذلك ، فإن آمال السلام ستظل بعيدة كل البعد عن الواقع ، والحوثيون لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه ، كونهم خارقين ، سواء في المعركة أو على طاولة المفاوضات ، بل كانوا يعرفون منذ بداية الحرب أنهم ليسوا المستهدفين منها وأن التحالف جاء لدعمهم وليس لدعم الشرعية ، وكانوا يدركون بأن التحالف والمجتمع الدولي سيطالب بفتح مطار صنعاء وميناء الحديدة ، ولن يطالب بفتح الطرقات ، لكي يظل الحوثي متحكم بحرية الناس وتنقلاتهم .
كل ما يريده الحوثي ، هو الحصول على اعتراف دبلوماسي والحصول على مزيد من الأموال ، وكل ما تريده السعودية هو التخلي عن التزاماتها تجاه إعادة إعمار اليمن ، ومن هنا سيخوض الطرفان مفاوضات طويلة المدى ، بدأوا يمهدون لذلك بتسريبات أن المفاوضات فشلت ، بسبب رفع سقف المطالب من قبل الحوثيين ، لكي تطوع اليمنيين للقبول بذلك وتقديمه على أنه إنجاز ، إضافة إلى منح الحوثيين ميزة الانتصار أمام أعضائهم الذين يرون أن الاتفاق مع السعودية ، هو تخل عن دماء الشهداء ، خلاصة القول ، إن اليمن لن تشهد سلاما بهذه الطريقة ، وعلى اليمنيين أن يلتفوا حول مشروعهم الجمهوري لإرغام الجميع على السلام العادل .