يعد البرلمان اليمني الحالي صاحب أطول ولاية بين المجالس في العالم، وقد عاصر سلسلة من الأزمات التي شهدتها اليمن خلال السنوات الأخيرة، منها الحروب الستة التي خاضتها عصابة الحوثي الإرهابية ضد الدولة والخلافات المستمرة بين أحزاب اللقاء المشترك وحزب المؤتمر الحاكم وكذلك احتجاجات ٢٠١١ وانقلاب الحوثيين في ٢٠١٤ وتدخل التحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن.
ظل البرلمان الحالي منذ ٢٠٠٣ وحتى ٢٠١١ يمثل الحزب الواحد وكان هناك تزاوج بين سلطة الحكومة وسلطة البرلمان، ولم يتغير الأمر بعد ٢٠١١ حتى عندما شكلت الحكومة مناصفة بين أحزاب اللقاء المشترك والمؤتمر الشعبي العام ولا حتى بعد تشكيل حكومة الكفاءات ولا ما تلاها من حكومات الشرعية، لكن ما كان يميز البرلمان في كل هذه المحطات أنه كان يمنح الحكومة الثقة ويصوت على الميزانية، عدا حكومة معين عبد الملك التي لم يمنحها الثقة وظلت تعمل بميزانية غير معلومة.
في اعتقادي بأن أعضاء البرلمان الذين قضوا عشرين عاما في هذا البرلمان لن يجدوا ما يفتخرون به، وعلى أقل تقدير بقاء هذه الفترة كلها هي وصمة عار في جبين الأعضاء، لكن تحرك المجلس في الآونة الأخيرة وتشكيل لجنة للتحقيق في فساد رئيس الحكومة الذي أشار إليه مدير مكتب رئاسة الجمهورية للشؤون الاقتصادية يمكن أن يعيد لهذا المجلس اعتباره ويصحح تاريخه في تفعيل المساءلة ومنع الفاسدين من الإفلات من العقاب.
ولست بحاجة للقول، إن اليمنيين يترقبون ما ستقوم به اللجنة المكلفة بفتح ملفات الفساد ويتوقعون أن تطيح هذه اللجنة برؤوس كثيرة قد لا يتوقع أحد تورطها وستكون اللجنة على مسافة متساوية من الفاسدين أيا كانوا ولن تستسلم اللجنة لأي ضغوط تهدف إلى تعطيل عملها واستجواب رئيس الوزراء ومن ترى استجوابه في ملفات قطاعات النفط وشركات الاتصالات والكهرباء والميزانيات المجهولة وأموال الإعمار والمضاربة بالدولار وفساد الخارجية والتعليم العالي وغيرها من الفساد المالي والإداري.
كما قلت في بداية حديثي بأن تشكيل هذه اللجنة كان بهدف تصويب عمل المجلس الذي احتفل في ٢٧ أبريل بمرور عشرين عاما ليستعيد من خلال هذه المناسبة هيبته في الرقابة والمحاسبة ومراعاة حقوق الناس وأنه لن يطوي صفحة الفضيحة ولن يدفن الاتهامات التي أطلقها مدير مكتب رئاسة الجمهورية وسيقوم بواجبه في تقصيها من خلال اللجنة التي شكلها، وهو يدرك أن الوقت قد حان لكي ينتصر لضحايا الحرب ولحقوق الشعب المهدورة وللدولة المغدورة وللعدالة المنتهكة.
ونحن إذ نشكر هيئة رئاسة المجلس على تجاوبها في تشكيل اللجنة، نشكر أيضا الجهات والأفراد الذين يزودون اللجنة بالوثائق التي تؤكد ارتكاب جرائم الفساد التي أصبحت واحدة من أهم الأخطار التي تهدد كيان الدولة اليمنية وعلى اللجنة أن توقف رئيس الحكومة عن العمل حتى يتم استكمال التحقيق معه ومساءلته عن الثروة التي يمتلكها هو وأسرته ومن أين جاء بها، خاصة وأن الرجل كان موظفا بسيطا ليس له سوى راتبه الشهري كأستاذ مساعد في جامعة ذمار ثم وكيل وزارة فوزير ثم رئيس حكومة.
على اللجنة أن تسارع إلى اختيار رئيس لها وأن تحدد لنفسها سقفا زمنيا تقدم فيه تقريرها، لأننا نعلم أن هناك من يحاول تعطيل استجواب رئيس الحكومة بهدف كسب الوقت لكي لا يمثل أمام اللجنة، لأنهم يعلمون أن الملفات كبيرة وهي لا تخصه وحده، بل تخص الجهات الداعمة له والتي استأجرته ليغسل لها فسادها، فالرجل كان نظيفا ولم يأت من داخل السلطة الملوثة بالفساد، لكنه استخدم كمسحوق لغسيل الفساد، فالشعب اليمني ينتظر الحقيقة ويؤمل بألا يفلت الفاسدون هذه المرة من العقاب.