دار حديث بيني وبين أحد اليمنيين المتميزين بصناعة برامج الكمبيوتر والذي يمتلك شركة لها فروع في أكثر من عشرين دولة حول العالم ولديه مبرمجون من مختلف الدول، سألته عن أيهم الأكثر ذكاء من بين العاملين في شركته، فأجاب بأن اليمنيين هم الأكثر ذكاء، إلا أنهم الأقل ولاء لوطنهم.
ولا أخفيكم أنه لم يصدمن بهذه الإجابة، فأنا ربما متعصب ليمنيتي ، فدائما ما أدافع عن اليمنيين وأعتبرهم من أعظم الشعوب حيوية واتقادا، أما ما يتعلق بولائهم، فالواقع يؤكد تبعيتهم المطلقة التي وصلت إلى حد العمى لدول على حساب اليمن واليمنيين، وأقصد هنا النخب السياسية والفكرية وليس عموم الشعب.
ومشكلة اليمن في التبعية لا ترجع إلى زمن سيف بن ذي يزن، كما يحاول البعض تسميتها بالعقدة اليزنية ، وإنما ترجع إلى التاريخ القريب، تاريخ العمل السري للأحزاب اليسارية واليمينية التي سعت بكل ما أوتيت من قوة إلى إفراغ الناس من ولائهم لوطنهم وتحويلهم إلى أوطان أخرى، سنجدهم ينبرون لمهاجمة من ينتقد سلوك إيران أو السعودية والإمارات ويتعصبون لانتخابات دول أخرى وينتصرون لها ويشتمون أبناء بلدهم، فقط لأنهم يتقاسمون معها الأيديولوجيا، أو لأن سقف ولائهم أعلى من الوطن وأدنى من المرتب.
لقد كشفت لنا الحرب أن النخب السياسية، ليست سوى مجاميع من المرتزقة، قررت أنه لا ولاء للوطن على حساب المصالح المالية والأيديولوجية، وكشفت أن الولاء للخارج أقدم من الولاء الوطني، وأن هذه النخب على استعداد لبيع وطنها مقابل دراهم معدودة، وهي على استعداد لبيع نفسها وهويتها وأن تخون وطنها مقابل أن يرضى عنها سيدها.
وإذا تمعنا في عدم قدرة الحوثي على حكم الناس في المناطق التي يسيطر عليها إلا بالقوة، وكذلك المجلس الانتقالي، سنجد أن ذلك لا يعود إلى نقص في الفكرة أو التخطيط، ولا نقص في الأموال أو الميليشيات، بل لأنهم بحاجة إلى شعب يحكمونه، والشعب اليمني ضدهم لأنه صناعة يمنية محلية، لا توجد نسخ منه في الخارج يمكن استيرادها مع استيراد المحتل، خاصة وأن المحتل لم يعد بحاجة إلى أن يأتي بجيوشه وقواعده، طالما وأدواته في الداخل تقوم بذلك نيابة عنه.
لقد أظهرت النخب السياسية اليمنية، خاصة من الأحزاب السياسية خيانتها بأجلى مظاهرها، وأظهرت أنها تعيش في حضانات الدول الأخرى، وإذا كان أبناء الوطن الواحد من الدول الأخرى يتبارون بمن يكون وطنيا أكثر من غيره، فإن النخب السياسية والإعلامية اليمنية تتبارى بمن يكون أكثر عمالة وأكثر نذالة وأكثر شطارة في ابتزاز من يعملون على شرائهم، لذلك اجتمع الذكاء مع قلة الولاء، فأنتج حفنة من التجار الذين سكنهم هوس الربح على حساب دماء الشعب وأرواح أبنائه.