إما أن السعودية أضاعت صنعاء على الخريطة واعتقدت أنها تقع في عدن وحضرموت، وإما أنه قيل لها إن الطريق إلى صنعاء يمر عبر عدن وحضرموت وسقطرى وميون، فمارست دور طبيب التخدير الذي يخدر اليمنيين وتركت للإمارات دور الطبيب الذي يقوم بعملية التمزيق، وعلى الرغم من كل الأصوات اليمنية المعارضة لطريقة الحرب التي سلكتها السعودية في اليمن، إلا أن المملكة لم تعر هذه الأصوات أي اهتمام، ولم تلتفت إلى العواقب الخطيرة التي ستنتج عن هذا السلوك العدواني ضد الدولة اليمنية.
منذ أن بدأت الحرب المزعومة ضد الحوثي، لم تفتح أي جبهة لمواجهة الحوثي، بل ترك للحوثي إدارة الحرب بالكيفية التي يريدها، فكان هو الذي يحدد زمان ومكان المعركة لتتجاوب معه المملكة في إغلاق كل الجبهات ومساعدته في حسم المعركة في الجبهة التي فتحت في وجهه، وكل المعارك التي أدارتها السعودية ومعها الإمارات كانت في مواجهة الشرعية وفي تدمير بنيتها وتفخيخ الجغرافيا المحررة حتى لا تجد الشرعية مكانا تبني عليه مؤسساتها، لينتهي بها الأمر اليوم أنها غير قادرة حتى على الإدارة من جبل المعاشيق.
ومع مرور الوقت كان يتضح للكثير من اليمنيين الذين وثقوا بالسعودية بأنها لم تأت لإنهاء انقلاب الحوثي، بقدر ما جاءت لإحداث مزيد من الانقلابات وتمزيق رحم الشرعية بإحداث ولادات قيصرية نتج عنها مليشيات سفاح بتلقيح إماراتي ورعاية سعودية واضحة وتوفير الرعاية للأم الحاملة الشرعية في فنادق خمسة نجوم وتغذية تساعد على إرضاع المليشيات السفاح.
بات الصمت الرسمي السعودي على سلوك المليشيات الموالية للإمارات مثار استغراب في الأوساط الشعبية والسياسية، بعد أن سقطت كل الأقنعة وانخرطت المليشيات في صراعات تحت رايات انفصالية بإيعاز مباشر من أبو ظبي وموافقة من الرياض، وتحولت الوعود بإنهاء الانقلاب إلى انقلابات أخرى ووعود استعادة الشرعية تحولت إلى تسليم البلد للانقلابيين شمالا وجنوبا والوعود بإلحاق اليمن بمجلس التعاون الخليجي لإلحاقه بالجحيم.
نحن أمام إرهاب تقوده السعودية والإمارات على بلادنا، تريد السعودية أن تتخلص من الفكر الوهابي، فتكنسه إلى اليمن، لننظر إلى الأيديولوجية التي تحملها المليشيات التي تتصدر المشهد، لقد بات من الواضح أن المملكة هي المحرك الرئيسي لتمزيق اليمن، تتحدث في بياناتها الرسمية عن وحدة اليمن وتمارس على الأرض بناء جدر عازلة من المليشيات وتحت مسميات وطنية.
إن سلوك الرياض وأبو ظبي يتنافى مع القرارات الدولية وهو سلوك يهدد الأمن القومي العربي، فقد تم تصفية جيش الشرعية وترك السلاح بيد المليشيات الخارجة على الدولة، ابتداء من مليشيا الحوثي مرورا بمليشيا الساحل ودرع الوطن، نزولا عند مليشيا الانتقالي، لتتحول الرياض وأبو ظبي إلى عاصمتين للتآمر على اليمن ووحدته وسيادته وسلامة أراضيه.
ونحن هنا لا نبرئ النخب السياسية اليمنية من مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في اليمن، ولكن نقولها وبكل صراحة لو لم تتدخل السعودية والإمارات بإدارة الحرب على مؤسسات الشرعية وتعيين حكومة عميلة ومجلس من رؤساء المليشيات وشراء ذمم عديمي الشرف الوطني، ولو التزمت السعودية بتعهداتها وقرارات مجلس الأمن والجامعة العربية، لما وصلت مؤسسات الشرعية وحال اليمنيون إلى هذا المستوى الخطير، يبقى على السعودية أن تراجع ممارساتها في اليمن، خاصة إذا أرادت أن تمضي نحو تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي في المملكة وإنجاز 2030.