شكى لي أحد الأصدقاء الذين يسكنون في عدن الحر الذي خلس جلودهم، بسبب انعدام الكهرباء التي لا تأتي سوى ساعتين في اليوم ، قال ، كنا قد أملنا في تحريك ملف فساد الحكومة الذي رفعه أحمد العيسي واعتقدنا أن ذلك سيوجه ضربة قاصمة للفساد ، لكن ذلك لم يحدث ، فلم يتحرك القضاء ولا النيابة العامة ، وحتى اللجنة البرلمانية التي شكلها مجلس النواب ، يبدو أنها أضاعت الطريق ، فمن الواضح أن الجميع شركاء في الفساد ، من النواب إلى الوزراء إلى مجلس المليشيات الرئاسي .
شكوى صديقي ، تؤكد المخاوف والخشية المستمرة من أن تصل عدن إلى مرحلة الظلام الشامل ، خاصة في ظل الضغط المتزايد على الاستهلاك وشح الوقود والعجز في ميزانية الحكومة ، ولم يشفع لعدن وجود مؤسسات الحكومة فيها ، إضافة إلى مليشيا المجلس الانتقالي ، كون الطرفين يتنافسان على مزيد من الفساد ونهب المال العام والتخلي عن توفير الخدمات للمواطنين ، لم تقدم مليشيا الانتقالي أي شيء للمواطنين منذ أن انقلبت على مؤسسات الدولة ، وكل ما تقوم به هو التمديد لمهلة الظلام الشامل ، في حين بيوت قاداتها تعج بأصوات المولدات الكهربائية .
وليس مستغربا أن تتصدر الكهرباء هموم معظم اليمنيين وأن تحتل المرتبة الأولى في سلم الفساد ، لأن حكومة معين عبد الملك وقيادات مليشيا الانتقالي يستجرون الفساد بدلا من استجرار النور إلى بيوت المواطنين ولا يوجد بصيص نور يشير إلى معالجة أزمة الكهرباء ، فالجميع تقاسموا مصالحهم على حساب مصلحة المواطن ، والعجيب في الأمر أن مليشيا الانتقالي أقدمت على طرد مواطنين من تعز يملكون بسطات متجولة ولم تقدم على طرد معين عبد الملك ، ما يؤكد تقاسم الفساد معه .
ومن يطالع ملفات الفساد ، سيجد أن الكهرباء هي الأكثر استنزافا للاقتصاد اليمني ، وعقود الطاقة التي أبرمت خلال السنوات الماضية ابتلعت المليارات من الدولارات ، سواء عقود شراء الطاقة أو دعم المشتقات النفطية الخاصة بالطاقة أيضا ، والأخطر من ذلك استقدام الزيوت الملوثة بالمواد الكيماوية والمواد السامة التي يتم أخذ أموال مقابل إدخالها إلى اليمن والتي ساهمت في ارتفاع أعداد المصابين بأمراض السرطان في عدن وما جاورها ، والسؤال الذي يطرح نفسه : لمصلحة من الإبقاء على هذا الوضع ؟
ولست بحاجة إلى التأكيد بأن القضاء يعيش في إجازة مفتوحة ، والنيابة العامة لا تقوم باختصاصها ، ولو أن القضاء والنيابة العامة قاما بواجبهما لرأينا مسؤولين كبار وراء القضبان ولأماطوا اللثام عن الغموض الذي يلف قطاع الكهرباء المتهاوي ، فضلا عن كشف النقاب عن الأسباب الكامنة وراء ابتلاع مليارات الدولارات باسم الكهراباء العائمة والطائرة .
تقف اليمن اليوم على شفا الانهيار الاقتصادي ، فالتضخم المرتفع يتسبب في فقر واسع ولم يعد بمقدور الحكومة دفع الرواتب خلال الفترة القادمة ، ومع ذلك حتى الآن لم يقدم أحد إلى العدالة ، فإذا كان القضاء فاسد والنيابة العامة كذلك ، فماذا نتوقع من الفاسدين ، سوى المضي قدما في فسادهم ، وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول ، عن القضاة ، قاض في الجنة واثنان في النار ، فإن قضاة اليمن جميعهم في النار ، حتى يقولون كلمتهم في الفساد ويطهرون ذممهم من القسم الذي أقسمونه عند تخرجهم ، وعند ممارساتهم للمهنة ، فالقضاء الصامت أخطر من الميليشيات التي تحمل السلاح !.