كثير من المسارات لا تحكمها النهايات، بل البدايات، فقد يهيأ للبعض أنه انتصر، وهو طبعا يقيس هذا النصر بالمقاييس المادية، لكنه في الواقع يكون قد خسر، وهذا ما هو واضح بالنسبة للمملكة العربية السعودية، التي يحاول البعض تصويرها بأنها قد كسبت مستقبلها بتدميرها لبنية الدولة اليمنية وتقويض مؤسساتها.
من يتابع ما قامت به السعودية وما تقوم به في اليمن تحديدا وعلى المستوى الأخلاقي، يجدها أنها بالإضافة إلى خسارتها في حربها على اليمن ماديا، قد خسرت أيضا أخلاقيا، لأن حربها لم تكن، مثلما صرحت بأنها تستهدف منع إيران من التمدد في اليمن ومنع الانقلابيين من الاستحواذ على السلطة، بل اتضح أن الهدف منها هو ضرب محاولة المشروع التحرري القائم على الديمقراطية والتعددية السياسية.
المشروع التحرري الديمقراطي في اليمن أثار حفيظة أنظمة الحكم في منطقة الخليج التي يحكمها النظام العائلي الممتد، وخشيت من التعددية الحزبية الناشئة في الجوار، حتى لا تؤثر على شعوبها، فغلبت عليها الرغبة في تشجيع الفوضى أولا، ثم الذهاب نحو الحرب، كي ترسم لدى شعوبها مساوئ الحرية والديمقراطية وأنها لا تقود إلى الاستقرار، كما هو حاصل في الأنظمة الملكية والسلطانية، وهذا ما تفعله السعودية والإمارات في المناطق التي تزعم أنها حررتها من ميليشيا الحوثي، بخلقها لميليشيات متعددة متناقضة وتقديم ميليشيا الحوثي بأنها مستقرة، كونها تتبع عائلة.
ما ترتكبه السعودية من أخطاء متتالية في اليمن لن يؤدي إلى خسارة اليمن في المستقبل فحسب، بل سيجعل السعودية تخسر حتى وجودها، قد يكون ما تقوم به الإمارات مقبولا، كونها دويلة صغيرة ولديها عقدة جعلتها تحاول التحول إلى دولة مركزية، وهذا مستحيل طبعا وفق قاعدة النظم السياسية، لكن الغريب في دور المملكة التي همشت حجمها الجغرافي والسكاني وذهبت إلى تقليد الإمارات في ممارساتها الصبيانية.
ولست بحاجة إلى التأكيد بأن سلوك المملكة العربية السعودية جعل الكثير يتربصون بها، بما في ذلك الإمارات نفسها التي وجدت نفسها تقود السعودية حيث شاءت وكيفما شاءت وتتوغل في تفكيك أمنها واستقرارها، وهي تراهن بأن المجتمع الداخلي والإقليمي والدولي لن يكون متحمسا لبقاء النظام في المملكة في لحظة ما، حينها تعتقد الإمارات أنها ستكون الأجدر في وراثة السعودية والتحول إلى دولة مركزية بدلا عنها.
لا يكف النظام في الإمارات وأعوانه على تسويق فكرة، أن النظام السعودي استبدادي، فاسد، وهو في نفس الوقت يجره إلى هذا المربع، بجعله يقود حربا على الأقرباء ورجال الدين ورجال الأعمال وحرب على اليمن لم تفض إلى تحريرها من الميليشيات، بقدر ما أضافت لها ميليشيات أخرى، وضرب آخر قلاع المقاومة في المنطقة ليسهل بعد ذلك تفكيك المنطقة وإعادة تركيبها بما يتناسب مع الكيان الصهيوني الذي أصبحت الإمارات الوكيل الحصري له في المنطقة.
إن المسار الذي اتخذته المملكة في اليمن تحديدا لا يؤدي إلى الوصول إلى الرؤية 2030، بل يؤدي إلى السقوط والخروج من التاريخ، ولكي تذهب المملكة نحو المستقبل، فهي بحاجة إلى صفر مشاكل كما اقترح عليها الصينيون، لكن صفر مشاكل دون استعادة الدولة في اليمن، سيكون ضرب من السذاجة، يجب أن تقدم السعودية على فعل ما هو ضروريا لتحقيق رغبتها في الاستقرار الاقتصادي، وتجاوز سياسة الإهمال التي وضعت ملفا بحجم الملف اليمني بيد محمد آل جابر!.