لطالما مارس الانقلابيون الحوثيون أسلوب "التقية الإثناعشرية" لإخفاء أهدافهم التي يسعون لتحقيقها لكن سرعان ما يفضحُ سلوكهم الشائن ما يدور في نواياهم ، وتبدو واضحة أمام اليمنيين صورتهم الحقيقية المؤدلجة بأوهام التفوق العرقي المزعوم ، وآخر ما وقعوا فيه تغيير أهداف ثورة 26 سبتمبر في المناهج الدراسية التي طبعوها ليظهر الهدف الأول منقوصاً بعد أن أبعدوا من تركيبته فقرة "إزالة الفوارق والامتيازات بين الطبقات" وللوهلة الأولى وبدون أن نبذل جهداً في التفكير والتحليل ندرك أن محتوى هذه الفقرة لا يروقهم نتيجة إيمانهم بهذه الفوارق المصطنعة من قبل أسيادهم الإماميون القدامى ، والتي يعتبرون أنفسهم وفقها في أعلى مرتبة اجتماعية بينما يتوزع اليمنيون على مراتب أدنى بحسب زعم هؤلاء ، وهذا يجعلهم يبررون حصولهم على الامتيازات ونهب ومصادرة حقوق وأموال اليمنيين والسطو على إمكانات ومؤسسات الدولة اليمنية ليحولوها إلى ملكية خاصة بالسلالة دون بقية الشعب .
لقد كانت من مثالب الإمامة الوافدة على اليمن أشخاصاً وأفكاراً أنّها قسمت الشعب الواحد إلى طبقات ، لكن اليمنيون لم يتقبلوا هذا النهج لأنه يمتهن من كرامتهم ويصنعُ شقوقاً وندوباً بين أبناء المجتمع الواحد ، ويهدفُ إلى تسخير المجتمع بإمكاناته وقدراته وأشخاصه لخدمة السلالة الكهنوتية ، فكان أن رفض اليمنيون الإمامة وحاربوها وأسقطوها في نسخها المختلفة وأخرها إمامة أسرة السلالي حميد الدين التي رمى بها الثوار إلى مزبلة التاريخ صبيحة الخميس 26سبتمبر 1962م وكان من أولى أولوياتهم القضاء على النظام الطبقي الذي أرادت الإمامة فرضه على الشعب فوضعوا هذه الغاية ضمن الهدف الأول من أهداف ثورة سبتمبر المباركة ليظل نصب أعينهم وأعين كل الشعب أن الجمهورية ومبادئها العادلة لا يمكن أن تقبل أبداً بالطبقية التي جاءت بها الإمامة وما يترتب عليها من امتيازات باطلة ما أنزل الله بها من سلطان ، فكان الخيار السبتمبري هو المساواة بين اليمنيين مهما اختلفت أنسابهم أو ألوانهم أو جغرافيتهم ، وأضحى هذا الخيار ضمن المبادئ الرئيسية للثورة التي لا يمكن التفريط بها أو التراجع عنها .
لقد وقع الانقلابيون الحوثيون في شرك افتضاح مقاصدهم المتعجلة للعودة لاستعباد اليمنيين والمتعطشة لممارسة طقوس "السيادة" ناسين أو متناسين أن هذه الأحلام لم تعد صالحة لأن تتحقق في هذا العصر فالوعي السبتمبري قد وصل إلى كل جنبات الوطن ، وأهداف ثورة سبتمبر المجيدة محفوظة في الصدور قبل السطور ، والعالم كله اليوم قد تخلَّص من كل الدعوات العرقية وأزال كل الفوارق الطبقية إيماناً بأن العمل والإنجاز والتنمية لن تتحقق إلا بتفعيل قدرات الإنسان والإيمان بها بعيداً عن لونه أو جنسه أو سلالته ، وقبل هذا وذاك أدرك الناس أن مثل هذه الأفكار الإمامية المتخلفة تتصادم كلياً مع أساسيات الدين الإسلامي الحنيف الذي يحاول هؤلاء المأفونون تغليف تراهاتهم باسمه وهو أكبر وأشرف وأعدل منها ومنهم .
في المحصلة لم تعُد الفرصة مواتية أمام الاماميين الجدد ليقنعونا بالارتداد عن الحرية والمساواة إلى العبودية وتقبيل الرُكب ، فالحرية التي ذقنا طعمها وشممنا عبيرها الزاكي لا مجال أبداً أن نتنازل عنها ، وخرافات التفضيل للسلالة والحق الإلهي المزعوم بالحكم والتحكم ذهبت إلى غير رجعة يوم أن أعلن ثوار سبتمبر البيان رقم (1) ، وإن استطاع أماميوا اليوم في حين غِرة ولحظة ضعف أن يعودوا للواجهة فلن يستطيعوا أن يخمدوا شعلة سبتمبر ، وتماماً كما قاوم الآباء والأجداد على مر القرون منذ جاء هؤلاء الوافدون سنقاوم ونسقط هذه الأحلام والمشاريع التي لايقبلها عقل ولا نقل ونهيل عليها التراب ، ولا مجال في يمننا الجمهوري إلا أن يكون الناس سواسية كما خلقهم بارئهم لا سيد فيهم ولا مسود .
* الصحوة نت