;
ياسين التميمي
ياسين التميمي

نظرة على تفاعلات خطيرة لما بعد الحرب في صنعاء 586

2023-09-04 01:18:24

ثمة مؤشرات عديدة على وجود نوايا جدية من جانب جماعة الحوثي على تصفية ما تبقى من التركة السياسية لنظام علي عبد الله صالح، والمتمثلة في المؤتمر الشعبي العام، الذي لا يزال يعمل ضمن الحدود الدنيا من الإمكانيات والحضور السياسي، لكنه في الآونة الأخيرة بدا وكأنه يكشف المستور مما خفي من التوتر بين الطرفين، ويبدي مواقف مخالفة إلى حد مقلق لسياسة جماعة الحوثي.

لم تستطع عبارات المجاملة المفضوحة لزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، التي تصدر عن قيادة المؤتمر الشعبي العام وتصل إلى حد تفويضه بإدارة الدولة وتصفه بـ"القائد المجاهد"، أن تخفي التضعضع الراهن في بنيان الشراكة ضمن سلطة الأمر الواقع في صنعاء عبر ما يسمى بـ"المجلس السياسي الأعلى" الذي تأسس في 2 آب/ أغسطس 2016، ويشارك المؤتمر في عضوية هذا المجلس ويتولى منصب رئاسة الحكومة وله نصف المقاعد الحكومية تقريباً.

تأسست سلطة الانقلاب بالشراكة بين المؤتمر الشعبي العام والحوثيين وبعض الأحزاب الصغيرة بموجب الاتفاق الذي وقعه الطرفان بصنعاء في 28 تموز/ يوليو 2016، في ظل الوهن السياسي الذي عانى منه آنذاك علي عبد الله صالح وحزبه في أعقاب فقدان السيطرة على الموارد العسكرية والمالية لفائدة جماعة الحوثي، مما جعل صالح يناور على نحو يائس في مساحة فقد السيطرة عليها منذ تدخلت المملكة العربية السعودية عسكرياً في اليمن على رأس تحالف عربي، وهي الطرف الإقليمي الذي كان صالح يراهن عليه على الدوام في ترجيح الكفة السياسية للأطراف المتصارعة على الساحة اليمنية، ويفصح عن ذلك في لقاءاته مع قادة حزبه ومع زواره الموثوقين.

قبل هذا التدخل كان لا يزال بإمكان صالح أن يعتمد على إمكانيات دولته القديمة، لاستعادة السيطرة على السلطة رغم الوجود العسكري الميداني لجماعة الحوثي، فقد كان يرى أنه بالإمكان إعادة بناء التفاهمات مع الرياض لكسب تأييد إقليمي يمكنه من إعادة بناء سلطة كان المرجح أن تُبقي على شراكة مُسيطرٍ عليها مع الحوثيين، لأن هذا الأمر كان على صلة وثيقة بتوجه واضح لدى واشنطن لإعادة هندسة المشهد الطائفي في اليمن، بما يتفق مع أولوياتها المتصلة بتجريف النفوذ السني في المنطقة برمتها وعلى نحو ما جرى في العراق.

ومن الثابت أن التدخل العسكري للتحالف بقيادة السعودية قد شكَّلَ مدخلاً مهماً لجماعة الحوثي لفرض سيطرة مطلقة على الموارد الشاملة وتعزيز نفوذها في صنعاء والبدء بخوض معركة موازية لتصفية نفوذ الحليف غير الموثوق، في الوقت الذي استمرت فيه في السيطرة على قيادة المعركة الميدانية مع الشرعية والتحالف، وسَوقْ الآلاف من عناصر وضباط الجيش السابق إلى مراكز التأهيل الثقافي الطائفية لضمان بناء عقيدة قتالية جديدة تتأسس على دعاوى الولاية المقدسة لقائد الجماعة، حتى تمكنت من عزل صالح عن مصادر قوته والإجهاز عليه في الرابع من كانون الأول/ ديسمبر2017.

في الرابع والعشرين من آب/ أغسطس الماضي صعَّدَ رئيس حزب المؤتمر الشعبي العام الشيخ صادق أمين أبوراس، خلال ترؤسه في صنعاء احتفالاً بمناسبة مرور 41 عاماً على تأسيس الحزب في 24 آب/ أغسطس 1982، من نبرة الانتقاد ضد شركائه الحوثيين، على الرغم من استثناء قائد الجماعة وكيل بل وكيد المديح لمكانته ودوره في مواجهة ما يسمى "العدوان".

أبو راس اعتبر في خطابه أن الحرب قد انتهت عملياً، وأنه ما من مبرر لاستمرار سياسة الحرمان من الحقوق المالية والاقتصادية التي مارستها سلطة الجماعة خلال السنوات الماضية، بل واتهم الحكومة غير المعترف بها دولياً، والتي شكلها حزبه مع الحوثيين، بالفشل في القيام بواجباتها تجاه الشعب وصرف المرتبات، في وقت أكد فيه أن الموارد متوفرة لصرف هذه المرتبات، وهي الإشارة التي أيقظت الوحش ودفعته إلى الرد بأكثر الكلمات قسوة لوصف الشركاء المؤتمريين غير الموثوقين في سلطة الأمر الواقع.

وبحضور الشيخ حمير الأحمر، شيخ مشائخ حاشد الذي حدَّثَ عضويته في المؤتمر الشعبي العام، تحدث الشيخ أبو راس بصراحة غير معهودة عن مخاطر محدقة بالتعايش الوطني في ظل دور الجامعات الدينية الزيدية (شيعية) التي تأسست في صنعاء بعد سيطرة الحوثيين عليها وبعد القضاء على جامعة الإيمان العالمية (سنية)، ونوه بدور اليمنيين في نشر الإسلام وحضورهم البارز في الفتوحات، في تهكُّمٍ واضحٍ على محاولة الحوثيين تأسيس مرجعية تاريخية وثقافية تدور حول الإمامة الزيدية الشيعية، وفصل اليمنيين عن أدوارهم التاريخية في الإسلام كفاتحين ساهموا في نشره بأصقاع الأرض.

فبعد أسبوع تقريباً ردَّ مهدي المشاط، الذي يتولى رئاسة ما يسمى "المجلس السياسي الأعلى" التابع للحوثيين، عبر اجتماع عقده في محافظة عمران إلى الشمال من العاصمة صنعاء، على خطاب الشيخ صادق أمين أبوراس، واصفاً إياه وزملاءه في المؤتمر الشعبي العام دون أن يسميهم بـ"الحمقى" و"الغوغائيين"، وبأنهم ساهموا بقصد أو دون قصد في "خدمة العدو" وفي عرقلة مساعي الجماعة للحصول على المرتبات ضمن تفاهمات سعت بشكل حثيث لبنائها مع السعودية، والمتعلقة بتعزيز اتفاق الهدنة من خلال معالجة الملف الإنساني دون سواه من الملفات الأساسية الأخرى، وبالأخص السياسية والعسكرية والأمنية، واستدعى أدوار بعض الشخصيات اليمنية في معركة كربلاء التي تشكل الجزء الأهم من تاريخ المسلمين بالنسبة لجماعة الحوثي الشيعية.

لا يمكن الجزم بأن الشراكة بين المؤتمر الشعبي العام والحوثيين، سوف تنهار، لأن حاجة الجماعة إلى شراكة صورية من هذا النوع ستضمن بقاء هذه الشراكة، إلى أن يتمكن الحوثيون من تأمين الموارد التي تحتاجها سلطتهم، وفي المقدمة منها المرتبات التي أصبحت بنداً رئيسياً، وحينها سوف يكون بوسع الجماعة أن تخطو الخطوة التالية باتجاه تأسيس سلطة أحادية؛ من الواضح أن كل الظروف والعوامل مهيأة لفرضها، والأمر سيحتاج فقط إلى تغيير في نهج بناء الشراكات الصورية التي تنعقد تحت السلطة المطلقة للقائد "الرباني" المزعوم، وعبر ممارسة قدر كبير من الابتزاز السياسي والأمني والاقتصادي على الطبقة السياسية والوجاهات القبلية المحطمة، وهذا يعني أن القيادات المؤتمرية قد تكون على لائحة الجماعة للتصفية خلال المرحلة المقبلة.

* عربي 21

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد