في أحدث بيان لوزارة الخارجية الأمريكية حول اليمن، أفادت بأن المبعوث الأمريكي تيموثي ليندر كينغ، سيزور منطقة الخليج دون أن تحدد موعداً واضحاً للزيارة، لكن بيان الخارجية أوضح أن الزيارة ستشمل السعودية والإمارات وسلطنة عمان، وستدور حول المستجدات الراهنة على الساحة اليمنية التي تحولت إلى ميدان مفتوح للهيمنة وممارسة الأدوار المؤذية لمصالح الشعب اليمني.
هناك ثلاثة بنود في جدول أعمال المبعوث الأمريكي إلى اليمن وهي: العمل مع الشركاء لتأمين ممرات بحرية آمنة للشحن العالمي، العمل مع شركاء إقليميين ودوليين للتوصل إلى حل للنزاع في اليمن، ومتابعة أولوية واشنطن لإطلاق حوار بين الأطراف اليمنية لإنهاء الحرب، والتشديد على ضرورة احتواء الصراع بين حماس وإسرائيل في قطاع غزة.
البند الأول كما هو واضح يشير إلى أن واشنطن تعُيد ترتيب أولوياتها، بشأن اليمن، مركزة جهدها الأكبر على تأمين الممرات البحرية وهي أحدث تحدي ينجم عن تكريس الدور العنيف لجماعة الحوثي بإملاءات أمريكية مباشرة على رئاسة هادي الكارثية والمعجونة بالتفريط والخيانة وبتواطؤ إقليمي مقيت.
نحن إذاً إزاء تطور في المقاربة الأمريكية يوحي بأن الحوثيين قد نجحوا بالفعل في تحويل جنوب البحر الأحمر إلى مصدر تهديد للملاحة البحرية، وهو الواقع الذي يفترض أن يستدعي رداً عسكرياً من جانب البحرية الأمريكية التي تنفذ دوريات مستمرة منذ اندلاع العدوان الصهيوني على قطاع غزة، لكن ذلك لم يحدث حتى الآن ولن يحدث لأنه ربما ليس تهديداً بقدر ما هو ذريعة لها ما بعدها.
فها هو بيان الخارجية يبرهن على أن السلوك الأمريكي منضبطٌ إلى حد كبير تجاه إيران والحوثيين ويتقيد بقواعد الاشتباك، وما نراه اليوم هو أن رد الفعل الأمريكي على التهديد العسكري لإيران وحليفها في جنوب البحر الأحمر، يأتي دبلوماسياً وعبر المبعوث تيم ليندركينج الذي سيعيد على الأرجح إطلاق ما كانت واشنطن قد جمدته من محادثات الرياض والخطة السعودية التي شارفت على الإنجاز، وسيدفع ربما نحو المضي في إنجاز اتفاق بين الأطراف اليمنية يشق مساراً سياسياً جديداً، سينتهي معه التدخل العسكري السعودي، لكنه لن يضمن على الأرجح تحقيق السلام في البلاد.
لا يمكن فهم التحرك الأمريكي إلا أنه استمرار للنهج المخادع نفسه الذي أفسد عملية الانتقال السياسي في اليمن وكانت قد بلغت ذروة النجاح، ومنحت اليمنيين جرعة أمل كبيرة، قبل أن تنحدر الأمور إلى هذا المستوى الكارثي. وقد تأكد لنا اليوم أن واشنطن تصرفت إزاء اليمن بضمير ميت واستندت إلى أولويات عدائية، تماماً كما تفعل اليوم مع العدوان على غزة الذي باركته وهيأت له قوة عسكرية ضخمة وإمداداً لا ينقطع، واختبرت فيه أحدث أسلحتها المدمرة، ووفرت له غطاء سياسياً وأخلاقياً.
في الواقع لا أمل ينعقد على هذا المبعوث الذي تسلم مهامه في الرابع من فبراير 2021، وتوحي ملامحه بالكآبة وانعدام اليقين، وتطوي حالة مدركة من انعدام الضمير تجاه مأساة اليمن التي صنعها النفاق الأمريكي ولا يزال يكرسها حتى اليوم، فليس مستبعداً أن يكون من طينة الدبلوماسيين الذين عراهم العدوان الصهيوني على غزة، فظهروا منحازين ومتآمرين ومتواطئين إلى حد لا يقدر على تقبله ضمير حي في هذا العالم.
ولهذا يقيني أن جولة المبعوث الأمريكي إلى اليمن لن تضيف لبنة جديدة في مبنى السلام المزيف الذي شيده الرئيس جو بايدن في اليمن، ولن تحمل مبشرات، بقدر ما تدفع بالبلاد إلى المزيد من التعقيد خصوصاً إذا قررت واشنطن تلبية طموحات أبوظبي في لعب دور محوري في اليمن من زاوية تأمين السلامة البحرية، ضمن المزاد الذي فتحته في المنطقة على خلفية العدوان على غزة، وترغب واشنطن ربما في إرسائه على حلفاء عرب أظهروا دعماً لا محدوداً للعدوان وحيدوا الموقف العربي ليظهر بهذا المستوى المخزي والمهين تجاه الشعب الفلسطيني ، وإزاء قضيته التي هي أقدس قضايا الأمة.