ما نراه اليوم وترونه من تقديسٍ مفرطٍ لهوى النفس، وإعلاءٍ لرأيها وجعلها ميزان لكل شيء، مظهرٌ آخر من مظاهر “الفردانية“ المقيتة المستجلبة من الغرب “عابد الإنسان“ حيث يرى صاحبها أنه كل شيء، وغيره من بعده! فيمنح لنفسه حق تقييم كل شيء كما يقيّم الوجبات والمأكولات، وكما يختر الألوان لملابسه المفضلة.
وما تطاول الأقزام على إمام الأمة وأميرها في الفقه ومولانا “محمد بن إدريس الشافعي“ إلا تجلي لها، ونقصٍ في أنفسهم يريدون إكماله بنقد غيرهم، ولابد من اعتبار ما يفعلونه مرضًا يجب معالجته وطلب الاستشفاء منه، فيدرك الواحد منهم مقدار نفسه، وما الذي لديه وأن ما عندهم من علمٍ لا يرقى لأن يكون طالبًا من طلاب الكتاتيب التي كانت تدرس الأحرف الهجائية، حيث كل إنجازاتهم تتمثل في اللهو والفراغ في “الفيسبُك“ وعلى القنوات الإعلامية؛ لإثارة الجدل وزرع الفتنة في عقول وقلوب الناس، في لغة ركيكة، وأسلوبٍ هزيل، يحيط به الخطأ من كل جانب، كتابةً، وفكرةً، ومضمونًا، لتبقى بنفسها شهادة على ضحالة فكرهم، وأصالة جهالتهم، ويبقى الشافعي نبراسًا ينير طريق الأمة وللأبد.
تكمن خطورة الفردانية في أنها تشعر صاحبها بأنه ممتلئ وأنه صاحب الميزان الفصل في عامة الأمور، ومن ثم فإنه يرى توجب تغيير الناس لمذهبه وما توصل إليه، ولها جانب آخر وهي الابتعاد عن الجميع والانطواء على الذات فحسب حيث تكون هي المحور والبحث عن السلامة في كل شيء ولو أن يكون الثمن أن يخسر مبدأه في الحياة وقيمه، لكنها في مسألة “الشافعي“ قد نحت المنحى الأول وهو عدم تقديس الآخر أيًا كان.
وإننا نفهم مبررهم يعيدًا عن حالة الفردانية بحصول التطرف في محبة آل البيت، لكننا ندعوهم ألا يقابلوه بتطرفٍ آخر، يسيء إليهم، أو يسلبهم حقهم، فإن ذلك عين الظلم والاستبداد، لأن ذلك مآله أن يهدم معالم الأمة ورموزها، ويلغي فكرة العدل في القول والعمل، وتبقى الوسطية السبيل الأنجع لكل إنسانٍ يسعى لطمأنينة قلبه، وهدوء باله، فالشافعي لم يكن أميرًا في الفقه وإمامًا في العلم، بأصله ونسبه، وإنما بعلمه وأدبه، ومؤلفاته الشاهدة على تفوقه العظيم، التي يعرفها عوام الناس وخواصهم، لتبقى شاهدة على خلود الشافعي -رحمه الله- حتى قيام الساعة.