أنهى المتحاورون في مسقط جلساتهم دون تحقيق أي إنجاز حقيقي يساعد في تذليل العراقيل في طريق عملية السلام أو إحداث اختراق حقيقي في ملف الأسرى والمختطفين كملف إنساني في المرتبة الأولى ، وحتى نكون أكثر وضوحاً فإن الحكومة الشرعية وضعت مبدأ "الكل مقابل الكل" كأساس لهذا الملف وهذا يُبعد عنها أي حرج ، وبالمقابل يضع الكرة في مرمى الانقلابيين الحوثيين الذين يتهربون في كل جولات المفاوضات بالذهاب الى صفقات جزئية لا تغلق هذا الملف وإنما تساعد في كسبهم للمزيد من الوقت ، وتدعم إبقاء البلد في حالته المأساوية التي صنعها انقلابهم المشؤوم وما نتج عنه .
كل تجارب السنوات الماضية في المفاوضات مع المليشيات الحوثية بائت بالفشل، وكل جولة جديدة هي فرصة يجدها الانقلابيون لزيادة الضريبة التي يتحملها البلد أرضاً وإنساناً جراء ممارساتهم المقيتة، وجراء سعيهم الحثيث للعودة بالتاريخ إلى الوراء ناسين أو متناسين أنه من المستحيل تحقيق ذلك، وأن اليمنيين سيذودون عن مكتسباتهم حتى آخر رمق، وستكتب للانقلاب نهاية مهينة تماماً كما كتب اليمنيون نهاية دولة الإمامة الكهنوتية التي جثمت على اليمنيين في آخر جولاتها ما يقارب من نصف قرن من الزمن.
صار من المُسَلَّمات اليوم قولنا إن جماعة الحوثي الإرهابية أهدرت كل الفرص المتاحة أمامها للالتحاق بركب السلام والتخلي عن خيار القوة المسلحة لفرض أمر واقع رفضه ولازال يرفضه اليمنيون، وفي كل جولة مفاوضات ما إن تكاد أن تنجح حتى نعود لنقطة البداية بفعل تعنتهم وفرضهم شروط جديدة يعلمون حق العلم إنها لن تتحقق لهم، لكنها تُفْشِل جهود السلام وتُوصِل المفاوضات إلى طريق مسدود، والنتيجة الطبيعية استمرار الانقلاب والحرب وما يتركه هذا الاستمرار من عناءٍ بحق اليمنيين يشمل كل جوانب حياتهم.
من الحكمة اليوم وبعد كل التجارب التي أفشلها الانقلابيون عدم إضاعة الوقت والجهد في جولات مارثونية للمفاوضات لا تسمن ولا تغني من جوع ، بل تعقِّد القضية أكثر مما تفككها ، وتمنح الانقلابين وقتاً أكثر لإعادة ترتيب الصفوف وبناء القدرات لا غير ، وهو ما يمكِّنهم من الاستمرار في إيقاع أكبر قدر من الأذى بحق الشعب والوطن ، وزراعة المزيد من الألغام الحسية والمعنوية في واقعنا ومستقبلنا ، والعودة لاستهداف الأشقاء وتعكير علاقة الأُخوّة والجوار معهم ، وتهديد أمن وسلامة طرق الملاحة الدولية والإخلال بأمن وسلامة الإقليم ، وهذا كله يزداد ويستمر بمنح هذه المليشيات المزيد من الوقت تحت لافتة المفاوضات ، بينما هم في الحقيقة غير مستعدين لها ، وليسوا شركاء صالحين للسير في ركابها.
ما تم خلال كل جولات المفاوضات السابقة في جنيف1 وجنيف2 والكويت وستوكهولم وأخيراً في مسقط يجعل أي مفاوضات جديدة هي ضياع للوقت والجهد، ومن تمام التقدير عدم التعويل على أي نتائج استناداً لكل التجارب السابقة مع الانقلابيين، وإعادة تشكيل القناعات بهذا الشأن، وتفويت كل الفرص التي يستغلها الانقلابيون لإطالة عمر انقلابهم دون أن يتقدموا ولو خطوة واحدة في بناء السلام وعودة البلد لحالة التعايش بين جميع القوى والمكونات دون تمييزٍ ولا تطييف.
اليوم وبعد أن أهدر الانقلابيّون فرصة أخرى للسلام في مسقط فإنه حريّ بنا الإدراك أن السبيل الأنسب لاستعادة الشرعية هو توحيد المؤسسة العسكرية والأمنية وبناء القدرات فيهما ، والسير بخطوات جادة في دعم وإصلاح مؤسسة الشرعية ، بالتوازي مع العمل السياسي والدبلوماسي داخلياً وخارجياً لتعرية الانقلاب وأهله ، ورفع أي غطاء سياسي يحاولون الاستفادة منه تحت مبرر الشأن الإنساني فيما هم بعيدون كل البعد عن الاهتمام بهذا الملف أو النظر إليه ، ومن شأن كل هذه الخطوات تضييق الخناق عليهم وإجبارهم على الرضوخ لمقررات السلام أو السير في استكمال التحرير وإسقاط ما تبقى من الانقلاب عسكرياً .
دمتم سالمين .