شهدت حضرموت أسوأ عام دراسي مرّ عليها كان العام الدراسي المنصرم والذي شهد إضراباً شبه شامل توقفت الدراسة في معظم المدارس الحكومية بكافة المدن الحضرمية..
وتعددت الوقفات الاحتجاجية السلمية وبُحّت أصوات المعلمين المطالبين بالحدِّ الأدنى من حقوقهم وتقطعت حناجرهم جراء ترديد الشعارات المعبّرة عن الحالة الصعبة التي وصلوا إليها،
وقطعاً لامست أسماع المسؤولين لكنها لم تلامس نخوة المعتصم.
وقد يُعذر بعض المسؤولين على عدم الاهتمام لأن بعضهم لم يكن متفوقا في دراسته أصلاً وقد يكون بالكاد أخذ الثانوية وبالتالي الاهتمام بالتعليم وإنشاء جيل متعلم يمثل غصة بالنسبة له.
والبعض الآخر كان مشغولاً بترتيب أوضاعه الداخلية وزواج الأبناء وآخرون منهمكون في متابعة استثماراتهم الخاصة الداخلية والخارجية وآخرون تشتت أذهانهم بسبب تدني أسعار الأراضي وقلة الإقبال على الشراء.
فلهذا لم يسمعوا صيحات المعلمين وأنينهم ومكابدتهم للحياة فلا راتب يكفي لبضعة أيام ولا أعمال إضافية تغطي بعض الاحتياجات الخاصة والمتطلبات الضرورية للأسرة، فراتب المعلمين لا يتعدى مئتي ريال سعودي وأما المستجدين فبنصف المبلغ.
وأسعار تقصم ظهور الجميع نظراً للارتفاع المتسارع وبشكل جنوني نتيجة انهيار سعر الصرف للعملة اليمنية التي تواصل الانحدار اليومي ولعلّها لا تريد أن تبقى العملة اللبنانية منفردة في القاع لوحدها.
هذا واقع الحال الذي وصل إليه التعليم والمعلمين
فبالتالي النتائج كارثية على المجتمع بأكمله وعلى البلد والأمة كلها، ورحم الله أمير الشعراء احمد شوقي الذي قال ذلك البيت الشهير الذي تعلمناه صغاراً
العلم يرفع بيوتاً لا عماد لها
والجهل يهدم بيوت العز والشرف
فهل ندرك هذه الحقيقة؟
أم أنّ هناك مؤامرة كونية تستهدف النشء الجديد لتصل في النهاية إلى تجهيل الأمة لتصبح غير مدركة بواقعها ولا تتطلع لمستقبل مزدهر وبالتالي تصبح منقادة لمن يسوقها ذات اليمين أو ذات الشمال.
وبعد ذلك تتفشى داخلها كل أمراض العصر من فساد وانهيار للقيم والأخلاق.
ويصبح رب الأسرة منذ بدايات النهار إلى غسق الليل منشغلاً في البحث عن لقمة العيش الكريم له ولأسرته وأطفاله، ويتحول التعليم الخاص بتكاليفه الباهظة لأبناء النخبة من المسؤولين والميسورين، وفي النهاية لهم المناصب والمكاسب.
وبطبيعة الحال مرّ العام الدراسي كاملاً دون إيجاد حلول لحال المعلمين بل وجِّهت تهماً ظاهرة ومبطنة لقيادات النقابات التعليمية أن الهدف من المطالبة بحقوق المعلمين هو مطلب حق يراد به باطل وهو التنغيص على الحاكم لإشغاله عن أفكار ومشاريع التنمية المنشغل بها والتي تهدف إلى نقل البلاد من الماضي والحاضر إلى المستقبل الزاهر.
وعليه فليصبر المعلمون قليلاً وليتحملوا وأسرهم المشقة والعناء وليستمتعوا كغيرهم بمهرجانات البلدة والسباحة في البحر الباردة مياهه وحفلات المنصة الغنائية فهي السبيل للترويح عن النفس وخاصة أن القنوات المصاحبة قد أعدّت لهم جملةً من البرامج الترفيهية يشارك فيه الصغار والكبار بشوق منقطع النظير، ومصحوبة بهدايا المُعلنين والرّعاة.
وبالتالي فالصورة العامة أن البلد تعيش في رغدٍ من العيش لا انقطاع للتيار الكهربائي بما لا يقل عن اثنا عشرة ساعة يومياً ولا تردّي في الخدمات الأخرى والأسعار زهيدة جداً وكلّ شيء في متناول الجميع حتى هذا البحر العظيم يلقي بما احتواه من الأسماك وكافة الأحياء البحرية إلى السوق المركزي النظيف والراقي ليأخذها المستهلك بثمن بخس.
والدليل لكل ذلك هذه الأمواج البشرية المتواجدة من الصباح الباكر على الشواطئ الذهبية ترتشف اقداحاً من الشاي مع الباخمري اللذيذ ولا يهمهم شيئاّ مما ذكرنا، ولربما أنهم يتذكرون هجرة أجدادهم الأقدمين من أزمنة الماضي الصعبة وهم يركبون السفن الشراعية عبر البحر المفتوح متجهين إلى جزر جنوب شرق آسيا والهند وسيلان، والى سواحل شرق أفريقيا والى حيث تسير ببعضهم الرياح إلى سواحل البحر الأحمر في جدة وبورت سودان ومصوّع وعصب وغيرها.
فبالتالي فما إضراب المعلمين ما هو إلا نوعاً من العبث وتكدير السلم المجتمعي التي تعيشه البلاد، ولهذا لم يُلقى لهم بالاً فانتهى العام الدراسي بخيره وشره وتمّت امتحانات الثانوية بسلام وسينتظر الجميع نتائجها في قادم الأيام.
وأقبل العام الجديد والحال على ما هو عليه والبلاد مشغولة حلف القبائل يتجمّع في الهضبة والحاكم يعقد اجتماعات في أكبر صالات الجامعة مع حشودٍ أخرى والمعلمين في إضرابهم مستمرين.