قبل بضعة أشهر أهداني الدكتور متعب بازياد نسخة من كتابه الذي يحمل عنوان أوراق فيدرالية (قصة الحكم الاتحادي في اليمن) ورغم أهمية الكتاب في الوقت الحاضر وما يحتويه فقد تأخرت حقيقةً في قراءته نظراً لضيق الوقت وإهدار الكثير منه حقيقةً فيما لا يفيد وأيضاً تكدّس الكثير من الكتب أمامي،
ولكنني قبل أيام وجدتني أمسك بدفتي الكتاب وبدأت في قراءته، فلُمت نفسي على تأخري في مداعبة صفحاته القيّمة والتهام حروفه المضيئة في عتمة الواقع المظلم والمتردي، فمحتوى الكتاب في غاية الأهمية وما تحدث عنه هو قضية الساعة في الواقع اليمني وهو مشروع (اليمن الاتحادي) الذي يحظى بقبول لدى الكثير من النخب السياسية لإنه يمثل الخروج باليمن من أزمته الحاضرة المنبثقة من سياسات متخبطة عاشتها البلاد في العقود الماضية،
وقبل أن ابدأ بمحتوى الكتاب فلابد من المرور سريعاً على الكاتب، فالرفيق متعب من قرية لنف بوادي رخيه أحد أودية حضرموت، وقد تعرفت عليه عند التحاقه بالسكن الخيري الجامعي لطلاب حضرموت في صنعاء في العام 1995م عندما كنت مشرفاً على ذلك الصرح العظيم الذي قدّم خدمة للمئات من الطلاب الحضارم وغيرهم من الدارسين في جامعة صنعاء وغيرها من الجامعات، ومنهم متعب الذي كان يدرس بكلية الشريعة والقانون بجامعة صنعاء والتي التحق بها بعد أن أكمل الدراسة الثانوية في حضرموت،
ومتعب كغيره من أبناء المناطق الريفية الذين يتميزون بصفاء الذهن والنبوغ في تحصيلهم العلمي إضافة إلى الالتزام بالسلوك الحضرمي القويم الذي غالباً ما يكون حصناً حصيناً للفرد الحضرمي كي لا يتعرض لانزلاقات أو هفوات في مسارات حياته، وكذلك الدور الكبير للمحاضن التربوية التي تساهم في تنمية القدرات السياسية والفكرية وتعزيز العلاقات الاجتماعية،
وبعدها كما أذكر التحق بإحدى الجامعات السودانية وحصل منها على رسالتي الماجستير والدكتوراه، وتدرج في وظائف متعددة حتى أصبح نائباً لمدير مكتب رئيس الوزراء.
تلك كانت نبذة قصيرة لابدّ منها للتعريف بصاحب الكتاب،
ولنعود إلى الكتاب والذي يحتاج مني لوقفات نظراً لأهمية الموضوع وفي الوقت الحاضر،
وحقيقة الأمر تفاجأت بالأسلوب الراقي والجهد الذي بذله فيه ليقدم للقارئ والمهتم بغيته،
وهنا ابدأ ببعض ما قاله الناشر (دار الوفاق) عن الكتاب (إن هذا الكتاب الذي بين يديك والذي سعدنا بنشره استطاع كاتبه بمهارة سبّاح تمرّس في هذا البحر المتلاطم أن يتعالى على ما هو شخصي وأن يقرأ الواقع اليمني والجنوبي من أعلى نقطة تمنح نظرته الشمول ليراعي تاريخ كل إقليم وخصوصيته وطبيعة مواطنيه ومصلحة الجميع)
وأما ما قاله المهندس عبد الخالق عبد الله رئيس مركز مداد حضرموت للأبحاث والدراسات الاستراتيجية
(أتشرف اليوم بتقديم كتاب (أوراق فيدرالية) مساهمة متواضعة من مركز مداد للرقي بالوعي السياسي والحقوقي في هذه اللحظة الفارقة من تاريخنا في حضرموت والمحافظات الشرقية التي يتطلع أبناؤها لدور مركزي في تقرير مستقبل اليمن والمساعي الجارية الآن بشأن تشكيل وإشهار (مجلس حضرموت الوطني) وتجذر هذا المسار توسع دائرة المؤمنين بفكرة الدولة الاتحادية كمخرج آمن وحلٍ مقبول لأزمة الحكم والصراع على السلطة في اليمن).
استعرض الكاتب في أوراقه الفيدرالية على جوانب متعددة من تاريخ اليمن في كثير من المراحل ومن أهمها ما كان في الشطرين قبل الوحدة الاندماجية التي تحققت عام 1990م،
وبعد هذا الاستطراد عن الكاتب والكتاب وإن كنت قد أطلت في الأول فيبرز أمامي السؤال الكبير والذي أطرحه أمامكم لماذا الفيدرالية؟
والفيدرالية كما هو معروف هي شكل من أشكال الحكم تكون السلطات فيه مقسمة دستوريا بين حكومة مركزية وحكومة الأقاليم، وهي الدولة الاتحادية بمصطلحنا العربي،
والنموذج الاتحادي ناجحٌ بكل المقاييس في كافة أرجاء المعمورة،
وكل دول العالم التي انتهجت هذا النظام قد حققت نجاحات كبيرة في التنمية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية ووفرت وسائل التنافس الشريف بين كل مناطق الدولة الاتحادية ليصل بالمجموع إلى ما هو أفضل وبالتالي لكل مجتهدٍ نصيب،
وجنّبت شعوبها الكثير من النزاعات السياسية والتمايز الطبق والاجتماعي الذي تكمن في ثناياه بذور التشرذم والسير نحو الانحدار إلى مهاوي الردى ولو بعد حين،
ولأن مساحة العمود محدودة والموضوع في غاية الأهمية ولإعطائه حقه من البحث ستكون لنا معه وقفات.