يتابع الحوثيون بقلق وترقب مآلات العملية العسكرية التي أطلقتها فصائل المعارضة السورية ضد حليفهم، النظام السوري في محافظة حلب، تحت اسم “ردع العدوان” في 27 نوفمبر 2024، وذلك في ظل المتغيرات الجيوسياسية التي قد تؤثر على النفوذ الإيراني في المنطقة.
يأتي هذا القلق في سياق الصدمة الناجمة عن هذا الهجوم غير المتوقع، على الأقل بالنسبة للكثيرين خارج سوريا وما تلاه من نتائج تبدو في تقييم العسكريين معجزة. ففي وقت قصير تمكنت المعارضة من السيطرة على أجزاء واسعة من حلب، العاصمة الاقتصادية للبلاد والتي عجزت عن الاستيلاء عليها في الماضي، وتقترب من إحكام قبضتها عليها كليا وسط انهيار شبه تام لقوات النظام السوري والمليشيات الشيعية الداعمة لها.
هذه التطورات تتزامن مع توقيت صعب بالنسبة لما يُسمّى “محور إيران” الذي يضم حزب الله والحوثيين والمليشيات العراقية بالإضافة للنظام السوري، بعد الضربة القوية التي تعرّض لها الحزب اللبناني الذي يُصنّف بأنه أقوى ذراع طهران في المنطقة، في حربه مع الكيان الإسرائيلي، مع فقدان الكثير من قياداته بما فيهم زعيمه التاريخي وجزء غير معلوم من قدراته العسكرية، رغم ادعائهم بالانتصار.
بالنسبة للحوثيين، لا يقتصر القلق على تطورات حلب وتداعياتها على تماسك النظام الذي سبق طهران في الاعتراف بسلطتهم ووافق على تعيين سفير لهم في دمشق ومنحهم سفارة اليمن عام ٢٠١٦، قبل أن يغيّر موقفه عقب عودته للجامعة العربية، بل يمتد إلى التأثيرات المحتملة على وضعهم الداخلي، والتي من المبكر تقييمها هنا لحين معرفة النتائج النهائية للمعركة عسكريا وسياسيا.
فعلى الرغم من استمرار الهدنة في اليمن منذ أبريل ٢٠٢٢، إلا أن الحوثيين يخشون أن يستغل خصومهم المحليين الأوضاع الإقليمية للتصعيد عسكريا، خاصة مع مجيء ترمب للسلطة مجددا وما يُثار حول مواقفه غير المتوقعة في السياسة الخارجية بما في ذلك نوع المقاربة التي قد ينتهجها ضدهم بسبب هجماتهم المستمرة في البحر الأحمر.
على المستوى السياسي، لم يصدر الحوثيون أي تعليق رسمي حول التطورات في حلب، وهو أمر لافت للانتباه مقارنة بتفاعلهم السريع مع حالات مشابهة مثل تلك التي تخص حزب الله. يُمكن تفسير هذا الصمت إما بصدمة مفاجأة العملية أو انتظارهم لنتائجها النهائية لاسيما وأنها في أيامها الأولى.
ومع ذلك، لم تتوان بعض القيادات الحوثية مثل محمد البخيتي عن إبداء مواقف، حيث دعا في تغريدة له على منصة “إكس” إلى وقف الحرب في سوريا، مشيرا إلى أن التصعيد في هذا التوقيت يخدم “أعداء الأمة”.
وعلى الرغم مما قد يبدو “حرصا ظاهريا” على حقن الدماء، فإن الدعوة توضح بشكل ضمني أن الحوثيين مع الحفاظ على النظام ومصالحهم المشتركة معه، وأبرزها التحالف الطائفي، ويتجلى ذلك في ربط حلب بالتطورات في لبنان وغزة، متجاهلين حقيقة معاناة السوريين الناتجة عن قصف النظام.
وبالمثل، يحاول عضو المكتب السياسي فضل أبو طالب وعبدالملك العجري ربط الأحداث في سوريا بالصراع مع الكيان الإسرائيلي، في محاولة تعكس نهج الحوثيين القائم على استغلال القضية الفلسطينية لتبرير مواقفهم السياسية ودعمهم للنظام السوري.
ويشير تحليل هذه المواقف الأولية إلى متغيرين اثنين ذات دلالة؛ الأول خلو لغة الحوثيين من تشجيع سحق المعارضين وهذا قد يُعزا إلى تأثير المتغيرات الإقليمية على النفوذ الإيراني. الثاني صياغة سردية جديدة تربط المعارضين بالعمالة للكيان بذريعة توقيت التحرّك مما يشير إلى فشل سردية النظام القديمة التي تبنّوها أيضا والتي تضع كافة المعارضين في خانة “الإرهاب”.
وخلافا لذلك، ذهب عبدالله بن عامر، نائب مدير “دائرة التوجيه المعنوي” إلى تحمّيل روسيا المسؤولية متسائلا في تغريدة بمنصة إكس عن “قدراتها وأين غيرها ألم ترصد الاستعدادات منذ أشهر ألم تستطلع التدريبات منذ أسابيع؟ ومن هنا لن تسأل لماذا تقدم أولئك بل لماذا أنسحب هؤلاء؟”.
من الواضح أن جهاز الدعاية الحوثي يحاول تبني سردية إعلامية تؤطر هزيمة حليفهم ضمن سياق أوسع من خلال التساؤل عن دور الحليف الروسي في الوقت المناسب لتحميله المسؤولية أمام أنصارهم بهدف تبرير الفشل والحفاظ على معنوياتهم وإعادة توجيه غضبهم أو تساؤلاتهم نحو موسكو بدلا من النظام أو طهران ومليشياتها الأخرى.
وعلى مستوى وسائل الإعلام الحوثية، كانت التغطية محدودة للأحداث في حلب مقارنة بالتغطية المكثفة فيما يخص حزب الله مثلا، إذ لم تتجاوز سوى سبعة أخبار تقريبا اقتصرت على تصريحات ومعلومات منقولة من وسائل إعلام النظام السوري أو قناة الميادين المدعومة من حزب الله، مع تجنب نشر تقارير خاصة حول سير العمليات.
وينسجم هذا التردد الإعلامي مع الموقف السياسي، ويُمكن تفسير هذا التباين في التغطية إلى ثلاثة أسباب:
الأول: تسليط الضوء على حلب قد تكون له انعكاسات نفسية سلبية على أنصارهم، خصوصا في هذا التوقيت حيث يعانون من تبعات تأثيرات ما تعرّض له حليفهم الأكبر حزب الله.
الثاني: الاهتمام الإعلامي المكثف يترتب عليه اتخاذ مواقف داعمة للنظام السوري، مثل المظاهرات، وهو ما لا يمكنهم القيام به في ظل التحشيد لغزة ولبنان، وافتقارهم إلى حُجة مقنعة تبرر الوقوف معه مثل مواجهة إسرائيل، التي تتصّدر خطابهم الإعلامي.
الثالث: تجنب تكرّيس النظرة الشعبية إليهم كجماعة طائفية تدعم حلفاءها بناء على أساس طائفي. على سبيل المثال، يُبرر الحوثيون غالبا دعمهم لحزب الله بأنه يقاوم “إسرائيل”، ولذلك سيكون صعبا عليهم تبرير تضامنهم مع النظام السوري في مواجهة ضحاياه وهو لم يحرّك ساكنا لا لتحرير الجولان ولا دعم غزة.
تشكل معركة حلب ضغطا إضافيا على الحوثيين في سياق المتغيرات التي يتعرّض لها المحور الإيراني، وتبعا لذلك سيتحدد موقفهم أكثر فضلا عن التأثير المحتمل الذي سيعتمد على تداعياتها النهائية.