عُدنا إلى إدلب الحنونة كما بات يطلق عليها، لاحتضانها كل السوريين الأحرار خلال فترة التهجير، حيث كانت كالسندان الذي يتلقى الضربات الجوية من مطرقة العصابات الأسدية، وسدنتها الممثل بالمحتل الروسي، إذ نفذ الطيران الأسدي والروسي خلال 24 ساعة 45 غارة جوية استهدفت الأحياء المدنية بشكل مباشر، وطالت حتى محطة وقود وسط المدينة، وذلك لإيقاع أكبر عدد ممكن من الضحايا، كما استهدفت الغارات المشفى الجامعي في حلب، وبوابة الجامعة، وهو الأمر الذي تسبب في ارتقاء شهداء وجرحى.
كانت مدينة إدلب قد فرغت من سكانها تقريباً بعد الغارات اليومية المتكررة على المدنيين، فلجأ كثير من أهلها وسكانها كحال بعض القرى والبلدات المجاورة لها إلى المناطق القريبة من الحدود التركية هرباً من القصف الجوي. لم يكن هناك أي مبرر عسكري لهذا القصف الهجمي العشوائي المستهدف للمدنيين، فالكل يعلم أن القوى العسكرية باتت على أبواب دمشق والمدن الرئيسة، ومع هذا يسعى الطيران الأسدي والروسي إلى الأهداف الرخوة من أجل الانتقام والثأر لهزائمه المتكررة، فهو ينظر إلى إدلب على أنها سبب انتكاساته وهزائمه، ومصدر انتصار أخصامه من المجاهدين والثوار.
وجهة السوريين المدنيين كانت حتى ذلك اليوم حلب وحماة، حيث الكل يقوم بزيارة مدنهم المحررة لأول مرة بعيداً عن الحواجز الأمنية والعسكرية، وزيارة أقاربهم الذين حرموا من اللقاء بهم لسنوات، وسط فرحة غامرة للبعض الذي قام بزيارة الشهباء بهدف شخصي، فكان الملتقى في ساحة سعد الله الجابري، وفي قلعة حلب، بالإضافة إلى المسجد الأموي.. لقد سقطت جمهورية الخوف والرعب، وسقطت معها جمهورية الاستبداد التي خيّمت على سورية لعقود، فقد انتهت سلالة آل الأسد إلى الأبد، واحترق الأسد وآله وبقي البلد بخلاف ما كانوا يكررونه على مسامع الجميع الأسد أو نحرق البلد.
أفسد فرحة فتح حلب حتى اليوم استعصاء مليشيات قسد في مناطق ذات الأغلبية الكردية وتحديداً الشيخ مقصود والأشرفية، وغيرهما، فكان كل من يعبر تلك المنطقة مدنياً أو غير مدني يتم قنصه، وبدت السلطة الجديدة تحذر من هذا القنص، ليتجنت أهالي حلب تلك المناطق، ولقد تعرض العديد من المدنيين للأسف للقنص عندما اقتربوا من مناطق المليشيات القسدية، وزاد الأمر تدهوراً حين اقتربت عناصر قسد من محطة الكهرباء التي تغذي المدينة، وذلك لابتزاز السلطة الجديدة، ولكن بفضل الله تم طردهم منها، ويبدو أن القيادة الجديدة حتى ذلك الوقت كانت تسعى إلى ترتيب أوراقها في دمشق قبل التفرغ لملييشيات قسد.
الخوف والقلق والترقب والحذر والانتظار سيّد الموقف في كل المدن والبلدات السورية، فالجميع ينتظر مئات الآلاف من المفقودين في السجون السورية، حتى أن من بين المفقودين جنسيات عربية وربما غير عربية، فالأمة العربية الواحدة التي كان يُبشر بها النظام السوري لعقود هي فقط المحصورة في السجون السورية، بعد أن جمع العرب في جمهورية تدمر أولاً، ثم في جمهورية صيدنايا أخيراً.
بعد تحرير حماة، سقطت اتفاقية الأستانة والتي كانت تحدد خريطة المناطق المحررة للثوار حتى أطراف المدينة، وإن كان العدو الإيراني والروسي قد ركل الاتفاقية بقدميه، وداس عليها منذ اجتياحه هذه المناطق بعدوانه عام 2019، فدفع بالكتل السكانية من حماة إلى أطراف إدلب لمخيمات الشتات، وهو الأمر الذي ذكرهم به الطرف التركي حين كان الحوار يجري بين وفود الأستانة في الدوحة عشية تحرير دمشق، رداً على مطالبة إيرانية بالعودة إلى اتفاقية الأستانة، فقال لهم الوفد التركي: كنا ندعوكم إلى تطبيق الأستانة لسنوات، ولكن كنتم تحتجوا علينا بالقول إن البوط العسكري هو من يقرر، ونحن نقول لكم دعوا الآن البوط العسكري يقرر.
كانت الانهيارات في صفوف العصابات الأسدية المجرمة تتواصل شرقي حماة وشرقي حلب، وذلك حرصاً من الثوار على تأمين المدن وبلدات ريفي المدينتين، وكان معها الطيران الإسرائيلي يغير على مخازن الأسلحة للعصابات الأسدية، لاسيما فيما يتعلق بالأسلحة الاستراتيجية، منعاً لوقوعها بأيدي المجاهدين، وقد كشفت وسائل الإعلام الإسرائيلية عن تقديم النظام السوري لإحداثيات هذه المخازن المهمة، ومعها الكشف عن تعاون وتنسيق عصابات أسد مع مدير مخابرات الموساد الصهيوني، وحتى أن اللقاء الذي كان مقرراً بين مدير الموساد ورأس العصابة بشار الأسد في الكرملين بموسكو، قد تم إلغاءه بسبب انهيار العصابة السريع، لكن كانت الاتصالات مستمرة قبل الانهيار بين مدير الموساد، ووزير دفاع العصابة الأسدية تحت عنوان موسى عبر تطبيق الواتس آب، حيث كان الأخير يبلغ النظام بالأهداف التي يتم قصفها، والعجيب أنه على الرغم من كل هذا الاختراق الأسدي للوجود الإيراني، ظلت طهران تدعم عصابات أسد.
بدت معركة حمص كسر عظم مع المحور الطائفي، حيث تدفق حوالي ثلاثة آلاف من قوة الرضوان التابعة لحزب الله اللبناني إلى المدينة، فاندلعت معارك عنيفة بين مقاتلي ردع العدوان وعصابات حزب الله على حاجز الملوك في المدينة، فكانت المعركة الأعنف، والتي استمرت لخمس ساعات، ولكن حسمتها قوات ردع العدوان المعركة لصالح الثورة، وتفرقت وتشتت قوات الرضوان، بعد أن سقط عدد كبير في صفوفها بين قتيل وجريح وأسير، لتتقدم قوات ردع العدوان باتجاه دمشق، والتي كانت على وشك أن ترتد الأخصر، بعد عقود من الذل والمهانة.