ليس مستغربًا هذا التمادي من قِبَل جماعة تعتقد أن زعيمها وليٌّ ووصيٌّ لله على الأرض، بل وتضعه في مراتب فوق البشر. إنها جماعة مسلحة ذات عقيدة نازية تقوم على الاصطفاء، وترى من دونها عبيدًا خلقهم الله لخدمتهم وراحتهم، وهذا ليس اتهامًا بلا أساس، بل هو ما تجهر به هذه الجماعة في خطاباتها وأدبياتها.
هذا التجرؤ على الذات الإلهية يأتي رغم أن الوضع لم يستقر لهم بعد، فكيف لو استقر لهم الأمر؟ حينها كنا سنسمع من المفاسد العقدية أكثر بكثير مما نسمع اليوم. فقد أثبت التاريخ أن العقائد المتطرفة لا تعرف حدًّا، بل تتمدد حتى تلتهم كل من يختلف معها.
إذا كان المسيحيون يصفون نبي الله عيسى بأنه "ثالث ثلاثة"، ويقرنون به روح القدس، فإن هذه الجماعة ترفع زعيمها القاتل إلى مراتب أعلى من ذلك! وهذه ليست المرة الأولى التي تظهر فيها جماعات تدّعي الاصطفاء الإلهي وتحوّل القادة إلى رموز مقدسة، فقد رأينا عبر التاريخ حركات مثل القرامطة والفاطميين، الذين زعموا العصمة لزعمائهم، وانتهى بهم الأمر إلى تبرير سفك الدماء باسم الدين.
لهذا، قلناها ونكررها: إنهم يقتلوننا من منطلق عقائدي، ويعتقدون أن قتل هذا الشعب عبادة، وتأسيسٌ لدولة الوصيّ الأوحد للسماء. الأمر ليس مجرد سياسة، بل هو تصور ديني يرى أن المخالف ليس مجرد خصم سياسي، بل عدو لله، وأن سفك دمه تقرب وطاعة.
نحن أمام أبشع نازية عرفها التاريخ، ناريةٌ قتلت قرابة ستة ملايين عربي سُنّي في العراق وسوريا واليمن، من منطلقٍ عقائدي، حيث يرون سفك هذه الدماء عبادةً في عقيدة "بقية الله". وهذا النمط من التفكير هو ما رأيناه في حروب التطهير الطائفي، سواء في محاكم التفتيش الإسبانية ضد المسلمين، أو في مذابح الحشاشين خلال العصور الوسطى.
إذا لم يكن كل ذلك شركًا بعقيدة التوحيد، فما هو الشرك إذًا؟ وإذا لم يكن هذا المسار طريقًا لاستعباد الناس، فما هو الاستعباد إذًا؟ لقد جاء الإسلام ليحرر البشر من العبودية لغير الله، لكن هذه الجماعة تعيدهم إلى عبودية البشر، بل تجعل "الوصي" أعلى من البشر جميعًا، في انحراف خطير لم يعرفه الإسلام في أزهى عصوره.
إن هذا الانحراف والتمادي في تحريف العقيدة والتجرؤ على الذات الإلهية، كان وما زال وسيظل نتيجة طبيعية لتخلي العلماء عن دورهم في الدفاع عن عقيدتنا الإسلامية السمحاء الوسطية. فالعلماء ورثة الأنبياء، لكنهم اليوم صامتون أمام هذا التأصيل للشرك، وهذا الانحراف الخطير، وكأن الأمر لا يعنيهم.
إذا لم يدرك العلماء اليوم حجم مسؤوليتهم تجاه هذا الانحراف والتحريف، فمتى سيدركونها؟ وماذا سيقولون لله، وهم الأكثر علمًا وإدراكًا بعواقب صمتهم؟ ألم يكن ابن تيمية في زمانه صارخًا بالحق أمام الباطل، رغم السجون والضغوط؟ ألم يقف العز بن عبدالسلام في وجه الظلم، رغم المخاطر؟ أين علماء اليوم من ذلك؟
ليبقى السؤال الذي يبحث عن إجابة: أين علماء الإسلام والمسلمين؟ أين علماء اليمن؟! هل ستجد هذه الصرخة صدى في قلوبهم؟
اللهم إني بلّغت، وأقمت عليهم الحجة بما أملك وما أستطيع، اللهم فاشهد!!