المتغيرات العالمية تتسارع، والأحداث الإقليمية تتوالى، والمصالح والعلاقات الدولية تشهد تحولات غير مسبوقة. عاد ترامب إلى المشهد السياسي، مبشرًا بتغييرات جذرية، ليس فقط على المستوى السياسي، بل ربما تمتد إلى إعادة رسم خارطة الدول في العالم. في رؤيته، السياسة لا تختلف عن بورصة المال؛ فارتفاع قيمة الأسهم مرتبط بحجم المصالح المتبادلة، وليس بالمواقف الثابتة أو المبادئ الأيديولوجية.

وفي خضم هذا المشهد المتغير والمثير، يبقى اليمن عالقًا في مربع الجمود، دون أي حراك حقيقي على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية. رغم أن معظم التحليلات السياسية والمتابعات الاستراتيجية تؤكد أن المتغيرات الإقليمية والدولية تصب – نظريًا – في مصلحة اليمن وحكومته الشرعية، إلا أن قيادة الشرعية بمختلف مؤسساتها، من مجلس القيادة الرئاسي إلى الحكومة، ومجلسي النواب والشورى، وقيادات الأحزاب السياسية، تعيش حالة من الغياب غير المبرر، بل يمكن وصفها بـ"الغيبوبة السياسية".

واقع الحال بات عصيًا على الوصف والتفسير والتبرير. فالعقل السياسي اليمني يبدو وكأنه في حالة "سكر سياسي"، فاقدًا للإدراك والتفاعل مع مقتضيات المرحلة. هذا الجمود والشلل التام في الاستجابة للمتغيرات الإقليمية والدولية يشكل تهديدًا وجوديًا لمصالح اليمن، ويجعل الحفاظ على وحدته ونظامه الجمهوري أمرًا بالغ الصعوبة.

إن استمرار هذا الغياب عن المشهد، والتقاعس عن اتخاذ مواقف تتناسب مع التطورات الإقليمية والدولية، يضع الشعب اليمني أمام خيارات صعبة ومؤلمة. ففي ظل عجز النخب السياسية، يصبح البحث عن مسارات بديلة تتجاوز نخبة الفشل، بكل أفرعها وتفاصيلها، ضرورة وطنية ملحة. إن مصلحة الوطن اليوم تقتضي التحرك العاجل، لأن الجمود في زمن التغيير هو أقصر طريق نحو التفريط بالوطن ومصالحه ومستقبله.

ولذلك لا يمكن للشرعية او الجيش البقاء في حالة الجمود العسكري، إذ يجب علينا إما التصعيد والاستفادة من المتغيرات لإيجاد غطاء إقليمي ودولي، لتحقيق الحسم العسكري أو فرض شروط قوية في أي مفاوضات محتملة تفرض علينا كخيار اجباري لا تتجاوز تنفيذ قرار مجلس الامن رقم 2216 !!