في مسرحية مكشوفة، أعلنت مليشيا الحوثي الإرهابية أنها أفرجت مطلع الأسبوع الجاري عن نحو 153 مختطفًا من سجونها، وبررت ذلك بأنها مبادرة إنسانية من جانب واحد! لكن معلومات متطابقة أكدت أن المليشيا أبلغت أهالي المختطفين منذ مدة عبر وسطاء مقربين أو من خلال اتصالات من المختطفين أنفسهم، باستعدادها للإفراج عن أبنائهم مقابل دفع مبالغ مالية كـ"فدية" لقاء نيلهم الحرية، وهو ما تم بالفعل.
مبالغ مهولة حققتها المليشيا الإرهابية من وراء عملية الإفراج الأخيرة، إذ وصلت، بحسب التقديرات، إلى مليون وستمائة ألف دولار، باعتبار أن أقل مبلغ تم دفعه هو 5,600,000 ريال يمني (طبعة قديمة)، وفقًا لمصادر متعددة، وبما يعادل 10,500 دولار أمريكي عن المختطف الواحد. وهو ما يشكل دليلًا إضافيًا على ممارسات مليشيا الحوثي الإرهابية، التي تمارس الإثراء على حساب آلام وأوجاع اليمنيين، ضاربةً بعرض الحائط كل المعاناة التي تتسبب بها لآلاف الأسر بعد اختطاف وإخفاء أبنائها.
يعتبر الإرهابيون الحوثيون المختطفين في سجونهم أداةً استراتيجية يستغلونها لتحقيق مكاسب مختلفة، في مقدمتها ممارسة الابتزاز المالي بصور وأشكال متعددة، وهو ما يمثل أحد أكثر مظاهر الاستغلال البشع. كما يشكل مصدرًا لزيادة المعاناة الإنسانية التي يعيشها اليمنيون في ظل انقلاب الجماعة المسلحة. وتعتمد الجماعة هذا الأسلوب لتحقيق الثراء الشخصي لقادتها ومشرفيها، بالإضافة إلى تمويل أنشطتها العسكرية الموجهة ضد اليمنيين.
يعتمد الإرهابيون الحوثيون أساليب متعددة لإجبار المختطفين وعائلاتهم على دفع مبالغ مالية طائلة. تبدأ هذه الأساليب منذ لحظة الاختطاف، حيث يتم طلب أموال من أسر المختطفين تحت مبرر الإفراج عنهم، وهو ما لا يتحقق، بل تتبعه أساليب ابتزاز أخرى خلال فترة الاختطاف، مثل التهديد بإيذاء المعتقل جسديًا في حال رفضت أسرته الدفع.
إضافةً إلى ذلك، يتم حرمان الأسر من زيارة المختطفين إلا بعد دفع مبالغ مالية كبيرة، كما يتم طلب مبالغ مالية بين وقت وآخر تحت مبرر المصاريف أو العلاج، بينما تذهب هذه الأموال إلى جيوب المشرفين على مواقع الاحتجاز الحوثية. كما تفرض المليشيا مبالغ باهظة على كل خطوة تتعلق بالمختطف، كإدخال الطعام والدواء له، أو إيهام أسرته بضمان بقائه بعيدًا عن التعذيب أو عدم نقله إلى زنازين أسوأ.
استخدمت مليشيا الحوثي الإرهابية عمليات الاختطاف والإخفاء القسري كورقة مساومة للتأثير على المفاوضات وتحقيق مكاسب مالية وسياسية وعسكرية. ورغم أن هذا الملف إنساني، وقد قدمت الحكومة الشرعية مبادرة "الكل مقابل الكل" وطالبت بتبييض السجون، إلا أن هذا المنحى لم يجد قبولًا لدى الجماعة الإرهابية، التي استمرت في التعامل مع المختطفين كورقة مساومة مقابل الحصول على تنازلات سياسية أو عسكرية.
كما يتم استغلال المختطفين لتحقيق مكاسب سياسية عبر تصويرهم على أنهم "خونة وجواسيس" في وسائل الإعلام الحوثية، حيث يُجبرون على الإدلاء باعترافات كاذبة تدعم مزاعم الجماعة. ويستخدم هذا التلاعب الإعلامي لتضليل الرأي العام المحلي والدولي وتشويه صورة الخصوم السياسيين.
وفي صورة أخرى للابتزاز السياسي، يتم عرض المختطفين أمام محاكم صورية بتهم ملفقة مثل "التخابر مع العدو"، وإصدار أحكام قاسية تصل غالبًا إلى الإعدام، في محاولة لمنح شرعية مزيفة لاحتجازهم غير القانوني.
مع ادعاءات الحوثيين بشأن الإفراج عن الدفعة الأخيرة من المختطفين، ومحاولتهم المفضوحة لإضفاء الطابع الإنساني على العملية، إلا أن سلوكيات الجماعة الإرهابية على أرض الواقع تُظهر حجم البشاعة التي تحكم تصرفاتها. ويتجلى هذا السلوك القمعي عبر مواصلة اختطاف يمنيين جدد والزج بهم في سجونها لاستخدامهم كأوراق للمساومة والتربح المادي، مما يدحض مزاعم الجماعة التي تسوقها للاستهلاك الإعلامي، بينما تؤكد جرائمها أنها لا تبدي أي اهتمام للاعتبارات الإنسانية.
لا تعد هذه الانتهاكات مجرد جرائم عادية بحق يمنيين أبرياء، بل جرائم بحق الإنسانية بشكل عام، وتتطلب تدخلاً حاسمًا من المجتمع الدولي للحد منها، وضمان محاسبة المسؤولين عن ارتكابها. كما تتطلب إرادة دولية حقيقية تتجلى في دعم اليمنيين لاستعادة دولتهم، التي تضمن حقوق المواطنين وتحفظ كرامتهم.
دمتم سالمين.