;
سيف محمد الحاضري
سيف محمد الحاضري

التطبيع الديني أخطر من التطبيع السياسي: كيف ساعدت إيران إسرائيل في إعادة تشكيل الجغرافيا العربية؟ 220

2025-01-28 02:08:03

من حيث المبدأ، فإن التطبيع مع الاحتلال الصهيوني، كفكرة، مرفوض تمامًا، ويُعد خيانة للأمة وقضيتها المركزية. وإذا كان التطبيع السياسي بين بعض الأنظمة العربية والإسلامية خيانة، وهو كذلك بلا شك، فإن هناك نوعًا أشد خطورة وأعمق تأثيرًا، وهو التطبيع الذي تنجزه إيران على أرض الواقع: "تطبيع الجغرافيا دينيًا".

هذا التطبيع لا يقتصر على اتفاقيات رسمية أو تفاهمات سياسية، بل يعيد رسم هوية المنطقة جغرافيًا وطائفيًا، محولًا دولًا عربية ذات سيادة إلى كيانات مذهبية متشرذمة، قابلة للتطبيع مع محيطها الطائفي والديني الجديد، مما يجعل المنطقة بأكملها مهيأة للقبول بإسرائيل كدولة طبيعية في هذا المحيط المفكك.

•• كيف ساهمت إيران في تنفيذ مخطط إعادة تشكيل الجغرافيا العربية؟

منذ منتصف الثمانينيات، كان الاحتلال الإسرائيلي يخطط لإعادة رسم خريطة الوطن العربي على أسس طائفية ومذهبية ودينية، متبنيًا استراتيجية "الفوضى الخلاقة" التي تهدف إلى تقسيم الدول العربية إلى كيانات ضعيفة تقوم على أسس مذهبية وقومية متناحرة، بدلًا من كيانات وطنية قوية. غير أن العامل الأكثر تأثيرًا في تحقيق هذا المخطط لم يكن سياسات الاحتلال الإسرائيلي المباشرة، بل الدور الإيراني الذي عمل على تفتيت الدول العربية من الداخل، وتحويل هويتها الوطنية إلى هويات طائفية قابلة للتطبيع مع إسرائيل الدينية مستقبلاً.

•• لبنان: من هوية عربية إلى دولة حزب الله الطائفية

في الثمانينيات، كان لبنان دولة عربية رغم تنوعه الطائفي، وكان جزءًا من الصراع القومي ضد الاحتلال الإسرائيلي. لكن بعد تدخل إيران ودعمها لحزب الله، تحول لبنان إلى دولة طائفية شيعية بديلاً عن الجمهورية اللبنانية، حيث بات الحزب هو المتحكم الفعلي بالقرار السياسي والعسكري. وكانت النتيجة تطبيعًا جغرافيًا خطيرًا، إذ لم يعد لبنان يمثل امتدادًا للهوية العربية، بل أصبح جزءًا من مشروع إيراني طائفي، يخدم في النهاية فكرة التفكيك الجغرافي التي تحتاجها إسرائيل الدينية.

•• سوريا: من دولة قومية إلى كيان علوي طائفي

قبل التدخل الإيراني، كانت سوريا بقيادة حافظ الأسد ذات توجه قومي، رغم استبداد النظام، وكانت تُعرف بسوريا العروبة، حيث دعمت المقاومة الفلسطينية واللبنانية ضد الاحتلال الإسرائيلي. لكن بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011، دفعت إيران باتجاه تحويل سوريا إلى دولة طائفية علوية، واستقدمت الميليشيات الطائفية من لبنان والعراق وأفغانستان لتغيير ديموغرافية البلاد، وهو ما أدى إلى تفكيك النسيج الوطني، وتحويل الصراع من ثورة شعبية إلى حرب مذهبية، مما أدى إلى إخراج سوريا من المنظومة العربية القومية إلى كيان يخدم المشاريع الطائفية في المنطقة، والآن وبعد سقوط نظام الأسد وانتصار الثورة السورية، تجد سوريا نفسها أمام مهمة إعادة صياغة الهوية إلى حاضنتها العربية والوطنية.

•• العراق: من دولة عربية موحدة إلى كانتونات طائفية

بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، استغلت إيران الفراغ السياسي لإحكام قبضتها على البلاد، عبر دعم الميليشيات الطائفية، وتحويل العراق من دولة عربية موحدة إلى كيان تحكمه الطوائف، حيث أُضعف الجيش العراقي، وتم استبداله بفصائل مسلحة تدين بالولاء لإيران، مثل الحشد الشعبي. هذا التفتيت الطائفي للعراق جعل من السهل على إسرائيل إقامة علاقات غير رسمية مع بعض القوى داخل العراق، مستفيدة من التفكك الطائفي الذي روجت له إيران.

•• اليمن: من صراع سياسي إلى حرب طائفية

قبل انقلاب الحوثيين عام 2014، كان اليمن يتمتع بهوية وطنية عربية، رغم الصراعات السياسية. لكن مع سيطرة الحوثيين المدعومين من إيران، تحولت البلاد إلى بؤرة للصراع الطائفي، حيث سعت الجماعة إلى تغيير البنية الاجتماعية والثقافية في اليمن، عبر فرض أيديولوجيا طائفية، مما أدى إلى تمزيق النسيج الوطني، وإعادة رسم جغرافيا البلاد سياسيًا وطائفيًا، في مشهد يشابه ما حدث في لبنان والعراق.

•• لماذا هذا الشكل من التطبيع أخطر من التطبيع السياسي؟

إذا كان التطبيع السياسي بين بعض الأنظمة العربية وإسرائيل وهو تطبيع مدان ويمثل خيانة للأمة، يتم بشكل مباشر وعلني، ومع ذلك يمكن مواجهته وإلغاؤه بقرار سياسي في المستقبل، فإن التطبيع الديني والطائفي الذي تقوده إيران أكثر خطورة، لأنه يغير البنية الاجتماعية للدول، ويفرض واقعًا يصعب تغييره، حتى لو تغيرت الأنظمة السياسية.

•• إيران لم تطبع مع إسرائيل بشكل مباشر، لكنها ساعدت إسرائيل على تحقيق أهم أهدافها وذلك أخطر تطبيع:

تفكيك الدول العربية إلى كيانات مذهبية، مما يسهل قبول إسرائيل كـ "دولة يهودية" وسط دول دينية وطائفية.

إضعاف الجيوش الوطنية واستبدالها بميليشيات طائفية، مما يمنع أي مقاومة عربية موحدة ضد الاحتلال.

تحويل الصراع العربي الإسرائيلي من صراع قومي ووطني إلى صراعات داخلية بين العرب أنفسهم، مما يُبعد الأنظار عن القضية الفلسطينية.

shape3

•• كيف يمكن مواجهة هذا المشروع؟

إن إعادة إحياء الهوية العربية باتت ضرورة استراتيجية، ليس فقط لمواجهة التطبيع السياسي، بل أيضًا لإفشال مشروع التفكيك الطائفي الذي يخدم إسرائيل في المنطقة. وهذا يتطلب:

1. تعزيز الفكر القومي العربي، وإعادة إحياء الخطاب الوطني الذي يوحد الشعوب بعيدًا عن الانقسامات المذهبية.

2. مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة عبر دعم القوى الوطنية الرافضة للمشروع الطائفي، وإعادة بناء الدولة الوطنية بعيدًا عن الولاءات الخارجية.

3. إصلاح التعليم والإعلام لمواجهة الخطابات الطائفية التي تروج لها إيران، والتي تسهم في إعادة رسم الجغرافيا العربية على أسس دينية بدلاً من الانتماء الوطني.

4. إعادة تعريف الصراع في المنطقة، بحيث لا يكون بين السنة والشيعة، أو بين العرب أنفسهم، بل بين القوى الوطنية في مواجهة المشروع الصهيوني والمشروع الإيراني الطائفي.

ختامًا:

إن استعادة الهوية العربية ليست مجرد قضية ثقافية أو فكرية، بل هي معركة بقاء، فإما أن نعيد بناء دولنا على أسس وطنية وقومية، أو نتركها لقوى إقليمية تعيد تشكيلها بما يخدم مصالحها. وإذا لم ندرك حجم الخطر الآن، فقد نجد أنفسنا أمام شرق أوسط جديد قائم على الكيانات الطائفية، حيث تكون إسرائيل دولة طبيعية وسط دول مذهبية متناحرة، وحينها لن يكون هناك وطن عربي قادر على مواجهة المخططات الاستعمارية الجديدة.

المعركة لم تعد فقط ضد التطبيع السياسي، بل ضد تطبيع الهوية والجغرافيا لصالح مشاريع تفتيت الأمة العربية.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد