ولو تأملت القوى السياسية الموقعة على المبادرة السياسية لهذه المطالب لوجدت انها لا تركز على اداء القوى السياسية، بل على طبيعة نظام الحكم نفسه بشكله الدستوري والقانوني، وكأن المشكلة في وجهة النظر الامامية ليست في الصراع السياسي بين الاحزاب على حساب الوطن والمؤامرات السياسية التي شهدتها البلاد من بعد الوحدة، وليست مشكلة الفساد المالي والاداري الذي ادى إلى ازمة اقتصادية افقرت الطبقة الوسطى وسحقت الطبقة الفقيرة، فهذه في وجهة نظرهم مشكلات مفيدة لهم كقوى معادية للجمهورية والوحدة، لكن المشكلة في طبيعة البنية الدستورية والقانونية للنظام الجمهوري من جهة وللنظام السياسي الدستوري القائم على الوحدة الاندماجية من جهة اخرى، فالنظام الجمهوري مشكلة بالنسبة لهم لانهم يريدون حكماً ملكياً شيعياً يستأثر بالسلطة والثروة ويحرم منها ابناء اليمن كما فعلوا تاريخياً.
والوحدة بالنسبة لمن يفهم تاريخهم مشكلة ايضاً، فهم اصلاً بحسب تجربتهم التاريخية لا يحكمون اليمن إلا عبر تمزيق اليمنيين إلى عصبيات متناحرة، والآن هناك وحدة سياسية لليمن كله، ووحدة وطنية وقوى سياسية بفضل الثورة والوحدة من ابناء اليمن تمارس الحكم، وزعامات من المناطق السنية الاكثر اضطهاداً في ظل الحكم الامامي تطرح نفسها على مستوى اليمن وقد اصبحت وسط صنعاء تقود الدولة وتقود احزاباً سياسية وهذا يضايق الاماميين. كما ان التحول الثقافي والاجتماعي الذي احدثته الثورة خطير في وجهة النظر الامامية، فقد اصبحت المنطقة المعروفة بالمناطق الهادوية الزيدية شبه سنية، والمذهب الشيعي الذي كان الغطاء الديني لاحتكار الاماميين للسلطة ولحرمان اليمنيين من ابناء المناطق الزيدية والشافعية من الحكم والمواطنة المتساوية كاد ينقرض بفعل التعليم السني اللامذهبي الذي ارست دعائمه مدرسة التجديد اليمنية الرائدة مدرسة الامام المقبلي والشوكاني وابن الامير وابن الوزير. والوحدة في وجهة نظر محمد عبدالملك وزيد الوزير وبقية القوى الامامية اضافت كتلة جنوبية سنية كبيرة اضافة إلى التحول السني في المناطق الزيدية. . فكيف سيحكم الاماميون في ظل هذه التحولات؟، ومن هنا لابد من تصور سياسي للحكم الامامي يعيد الامور إلى ما كانت عليه قبل الثورة بحيث يؤدي إلى تحويل النظام الجمهوري إلى نظام ملكي برلماني ومشروع سياسي فيدرالي يعيد تمزيق اليمن مذهبياً وقبلياً ومناطقياً من جهة اخرى، لن اتولى الاجابة ولكن لنرى ما قاله زيد الوزير في كتابه «نحو وحدة يمنية لا مركزية» الذي هو الاصل النظري لمبادرة المتوكل المطروحة حالياً ولمبادرة المتوكل قبل الحرب «وثيقة العهد والاتفاق» التي قامت بسببها الحرب وقاتل الحزب الاشتراكي من حيث لا يعلم من اجل برنامج العمل السياسي لاتحاد القوى الشعبية، وكاد يغيب من الساحة السياسية دفاعاً عن المشروع الامامي، واليوم بقية القوى الجمهورية المعارضة في نفس الخطأ وتبني المشروع الامامي وليس لها اي فائدة منه وانما الدهاء السياسي الامامي ومقدرته على تمرير مخططاته الاستراتيجية من خلال الصراع السياسي بين الاحزاب الجمهورية، موهماً لهم بأن هذا المشروع سيحقق مصالحهم المناطقية من جهة ويساعدهم في التنافس اثناء الانتخابات من جهة اخرى. هدف الإماميين من المطالبة بالنظام البرلماني ففيما يتعلق بمطالبة المتوكل في مبادرته بالنظام البرلماني نسأل انفسنا. . هل هذا المطلب الامامي يحمل هدفاً سياسياً يتعلق بتجريد الرئىس من كافة صلاحياته بتجريده من قوة الجيش وقوة السلطة وقوة المال وتحويله إلى مجرد رمز كالنظام البرلماني الملكي البريطاني الذي تعطى فيه كافة الصلاحيات للبرلمان ولمجلس الوزراء ورئىس الوزراء وهل الهدف السياسي للاحزاب الامامية محصور في استهداف الرئىس كرمز للنظام الجمهوري وللوحدة اليمنية كما تنظر اليه القوى الامامية الحاقدة بخلاف نظرة الاحزاب الجمهورية فهم ينظرون اليه كرئىس للمؤتمر الشعبي ينافسهم في الانتخابات؟!. ام ان الهدف هو استهداف الرئىس واستهداف النظام الجمهوري معاً بالتهيئة لنظام حكم ملكي برلماني يشبه النظام الملكي البريطاني في الشكل السياسي ولا يشبهه في المحتوى، فشتان بين العقلية البريطانية الديمقراطية والعقلية الامامية الاستبدادية التسلطية سنحيل الجواب إلى زيد الوزير. . فماذا يقول في كتابه هذا الذي بفضل محمد عبدالملك واللوبي الامامي اصبحت اطروحات زيد النظرية للنظام البرلماني واللامركزية المالية والادارية بمضمون فيدرالي والحكم المحلي تملأ الساحة اليمنية والاحزاب السياسية بسبب براعة الاماميين الاعلامية. نجد في كتاب زيد في ص7 تحت عنوان مقدمة الطبعة الثانية يقول [( وقد وجد لآرائه ترحيباً وقبولاً واسعاً، فما من حزب سياسي انزل برنامجه الانتخابي إلا وضمنه وعداً قطعه على نفسه بالعمل الجاد من اجل اللامركزية). وكنت عند اعلان الوحدة اليمنية قد اصدرت هذا الكتيب مساهمة في خلق تصورمستقبلي كحكم سياسي يتفق مع الجمهورية والديمقراطية كأركان لا تنفصل، ومن ثم كانت اللامركزية هي الركن الثالث الذي لم يشر اليه اعلان الوحدة ولو حتى مجرد اشارة، ومن هنا كانت الدعوى لتبني اللامركزية في المستقبل استكمالاً لشروط قيام جمهورية حقيقية. ان اللامركزية هي ذروة الانظمة الحديثة وافضلها على الاطلاق ثم هي شرط من شروط الديمقراطية وجزء متمم لها سواء اكانت انظمة ملكية دستورية كبريطانيا والسويد وجمهورية كأميركا وفرنسا فاللامركزية هي لب تلك الانظمة الديمقراطية]. لو تأملنا ما قاله زيد الوزير في هذه الفقرات من مقدمة كتابه سنجده بعد ان عبر عن فرحه بانشغال كافة القوى السياسية بالتصور السياسي المستقبلي للحكم - بحسب تعبيره، وبأن كافة القوى السياسية لم تطرح هذا الشعار «اللامركزية» إلا تجاوباً مع ما طرحه اتحاد القوى الشعبية، نجده يقول بأن اللامركزية تتفق مع الجمهورية والديمقراطية من باب طمأنة القوى الجمهورية ثم يطرح الهدف الحقيقي من اللامركزية عندما قال :«ان اللامركزية هي ذروة الانظمة الحديثة وافضلها على الاطلاق ثم هي شرط لازم من شروط الديمقراطية وجزء متمم لها سواء اكانت انظمة ملكية دستورية كبريطانيا والسويد أو جمهورية كأميركا وفرنسا». ألا يستشف المدرك للعقلية الامامية واسلوبها الباطني في الصياغة انه عندما طرح في البداية ان اللامركزية تتفق مع الجمهورية- كما قلت من باب خداع القوى الجمهورية وانه يقصد من خلال حديثه عن النظام الملكي البريطاني- وهو نظام برلماني كما نعلم -هذا النوع من الحكم عندما قال «سواء اكانت انظمة ملكية دستورية كبريطانيا والسويد» وبدأ بها. . ألا يوحي هذا الطرح بأن التنظيم الامامي العنصري يبحث عن صيغة معاصرة تؤدي إلى تغيير الشكل السياسي للنظام الجمهوري بنظام ملكي دستوري كالنظام الملكي البريطاني، لاسيما اذا رجعنا إلى تاريخنا لوجدنا بيت الوزير من تحمسوا للشكل الملكي الدستوري الذي قامت عليه ثورة 48 لسرقة الثورة من الثوار الحقيقيين ما دام هذا النهج لا يؤدي إلى تغيير جذري للحكم الامامي كثورة سبتمبر التي جاءت بنظامها الجمهوري لتعيد السلطة إلى ابناء اليمن الذين منعوا منها بحجة حصر الولاية العامة في بني هاشم، لذلك نجد قيادات اتحاد القوى الشعبية يظهرون الحماس لثورة 48 لأنها استبدلت إماماً بإمام ويعلنون رفضهم للجمهورية ويصفونها بأنها انقلاباً عسكرياً لأنها اعادت السلطة القيادية لليمنيين. ولو تأملنا ما ورد في مبادرة المتوكل فسنجده قد طرح الصيغة البريطانية البرلمانية كمضمون للنظام الجمهوري وبدأ بها كما بدأ زيد الوزير، فقد ورد في مبادرته «نظام الدولة نظام جمهوري تعددي برلماني» فبالنسبة لاتحاد القوى الشعبية هذه خطوة على طريق مشروعهم السياسي لاستبدال النظام الجمهوري بنظام ملكي دستوري برلماني، ان يبدأ المضمون البرلماني بالتطبيق بحيث تنقل كل الصلاحيات إلى البرلمان ومجلس الوزراء كالنظام الملكي البريطاني بحيث يتحول رئىس الجمهورية إلى رئىس يرأس ولا يحكم وهو مجرد رمز للوطن والمشرف على تطبيق الدستور، حيث ورد في مبادرة المتوكل بالنص ما يلي: «رئيس الجمهورية هو رمز الوطن والمشرف على تطبيق الدستور»، ولكنه جعل كافة الصلاحيات التنفيذية المدنية والعسكرية والامنية تتبع مجلس الوزراء عندما قال في الفقرة الخاصة «جميع الاجهزة التنفيذية المدنية والعسكرية والامنية تتبع مجلس الوزراء». . اذاً علينا ان نفهم ان العناصر الامامية الحاقدة على الثورة والجمهورية والوحدة عندما تطرح هذه المبادرات انما هدفها تغيير بنية النظام الجمهوري بنظام ملكي برلماني يشبه النظام البريطاني في الشكل ولا يشبهه في المضمون، فشتان بين العقلية البريطانية والعقلية الامامية المتخلفة الاستبدادية الطاغوتية.
صحيح انهم حالياً لا يطمحون إلى النص على النظام الملكي لكنهم يطرحرن النظام البرلماني من وجهة النظر الامامية المستهدفة لبنية النظام الجمهوري، خاصة عندما يطالبون الرئىس بالابتعاد عن العمل الحزبي كما ورد في وثيقة العهد، إلى جوار نقل الصلاحيات كلها إلى مجلس الوزراء بحيث تدور الديمقراطية والعمل الحزبي في إطار مجلس الوزراء كأي نظام ملكي دستوري كبريطانيا أو الاردن، لأن رئىس الدولة في النظام الجمهوري اذا تخلى عن العمل الحزبي من اين يستمد مشروعيته كرئىس؟ ان لم يأت عبر انتخابات. . وكيف سيأتي عبر انتخابات في ظل وضع تعددي حزبي وهو ل حزب له؟ إلا اذا كان نظاماً ملكياً فهل يدرك اخواني من قيادات احزاب المعارضة الجمهورية على ماذا وقعوا وان الهدف من النظام البرلماني في وجهة النظر الامامية النظام الجمهوري اكثر من الرئيس.
المشروع اللامركزي الفيدرالي الامامي المستهدف للوحدة اليمنية وتجزئة اليمن
امام يتعلق بدعوة الاحزاب الامامية «اتحاد القوى الشعبية» «وحزب الحق» إلى النظام اللامركزي الفيدرالي الاتحادي الذي روجوا له في الساحة الاعلامية والسياسية تحت شعار «الحكم المحلي الواسع الصلاحيات» واللامركزية المالية والادارية والذي ورد في مبادرة دجال طبرستان المتوكل بعد الفقرات التي تحدثت عن النظام البرلماني واهمها:
1- ينشأ مجلس الشورى ويتم انتخاب اعضائه من محافظات الجمهورية بالتساوي كي يتولى المجلس التالي:
- الاشراف على سير اعمال المجالس المحلية ومؤسسات المجتمع المدني السياسية وغير السياسية
- ترشيح اعضاء المجلس الوطني للاعلام والمجلس الوطني للدفاع والمجلس الاعلى للخدمة المدنية والمجلس الاعلى للقضاء واللجنة العليا للانتخابات ويتم اقرار الترشيحات في لقاء مشترك لمجلس النواب ومجلس الشورى.
2- اقامة حكم محلي واسع الصلاحيات يعطى فيه المواطنون حق انتخاب مجالسهم المحلية طبقاً للدستور والقوانين المنظمة وطبقاً للسياسة العامة للدولة، ثم كل الفقرات الواردة في مبادرة المتوكل التي تلي هذه الفقرات التي اشرت اليها تتعلق بتغيير بنية النظام الدستوري من نظام سياسي قائم على الوحدة الاندماجية إلى نظام سياسي اتحادي فيدرالي تتجزأ بموجبه اليمن إلى اقاليم وكانتونات ودويلات طائفية مذهبية وقبلية وكل ما ورد في هذه المبادرة الامامية قد اخذت الاحزاب الجمهورية الاصلاح والاشتراكي والناصريين وطرح في مبادرة الاصلاح السياسي باسم الاحزاب جميعاً.
ومن اهم الفقرات الواردة في المبادرة السياسية لاحزاب المعارضة التي تحمل المضمون الفيدرالي هي:
- ثنائية السلطة التشريعية البرلمان بالاخذ بنظام المجلسين مجلس النواب ومجلس الشورى وصلاحياته ويبين القانون اجراءات انتخابه.
- اصلاح السلطة المحلية بالاخذ بنظام اللامركزية المالية والادارية في اوسع صورها وبما يكفل توسيع قاعدة المشاركة السياسية واتاحة الفرص الواسعة امام كل ابناء الوطن للاسهام الفعال في التنمية والبناء الوطني وذلك من خلال التالي:
- اعتماد مبدأ الانتخابات للمحافظين ولمديري المديريات.
- منح السلطات المحلية المنتخبة كافة الصلاحيات المالية والادارية التي تمكنها من ادارة شؤونها التنموية والخدمية المحلية تخطيطاً وتنفيذاً في اطار السياسة العامة للدولة التي اقرها البرلمان. وبقية الفقرات الواردة في المبادرة للاصلاح السياسي منقولة نقلاً حرفياً من مبادرة المتوكل واغلبها متعلقة بتغيير بنية النظام السياسي الوحدوي الاندماجي إلى نظام فيدرالي تتجزأ بموجبه اليمن إلى اقاليم وكانتونات وولايات ودويلات على مستوى المحافظات والنواحي. فالاماميون عبر التاريخ لم يحكموا اليمن إلا عبر اثارة النعرات المختلفة المذهبية والقبلية والطائفية وتمزيق وحدة البلاد السياسية والاجتماعية إلى عصبيات متناحرة متقاتلة، والنظام الفيدرالي اللامركزي الاتحادي كما هو معروف في علم النظم السياسية وعلم القانون الدستوري هو نظام سياسي من بين ثلاثة انظمة رئىسية موجودة في العالم الآن، النظام السياسي الوطني الموحد أو ما يعرف بنظام الدولة البسيطة وهو النظام للدولة الموحدة شعباً ودولة كاليمن وكثير من بلدان العالم ،يكون هناك شعب واحد ليس فيه تعدد ديانات ولغات واعراق ودولة واحدة، والنظام الفيدرالي لا يصلح للدولة الموحدة فهو اطار سياسي لعدة دول عندما تفكر في الوحدة كالولايات المتحدة كانت عدة دول «13» دولة وتوحدت وعندما تتحدث هذه الدول لا تكون وحدتها السياسية كاملة. واما النظام الفيدرالي يكون فيه البناء السياسي قائم على دويلات محلية لها استقلال كامل في شؤونها ما عدا السياسة الخارجية والدفاع ودولة مركزية هي الحكومة الفيدرالية وتتولى السياسة الخارجية والدفاع فقط، ولكن هذا النظام السياسي الفيدرالي رغم ان الوحدة السياسية والاجتماعية فيه غير كاملة لأن الدول فيه تتحول إلى دويلات أو ولايات مستقلة وعلى رأسها حكومة مركزية فيدرالية، إلا انه يعتبر خطوة نحو الوحدة للدول التي كانت مستقلة لأن الدول تتحول إلى دويلات وتلغ شخصيتها الاعتبارية المستقلة وتذوب في الدولة المركزية الفيدرالية كالولايات المتحدة الاميركية. لكن اذا طبقت الفيدرالية في دولة واحدة وشعب واحد تصبح عامل تجزئة لا توحيد فنحن اليوم مثلاً مع نظام فيدرالي لتوحيد الدول العربية وستكون الفيدرالية خطوة نحو الوحدة وكل دولة من الدول العربية تتحول، إلى ولاية لها استقلالية في إدارة شؤونها ما عدا السياسة الخارجية والدفاع للحكومة الفيدرالية العربية «الولايات المتحدة العربية» لكن اذا طبقت الفيدرالية في دولة واحدة كاليمن أو العراق وتمت تحول كل محافظة ومديرية إلى ولاية مستقلة. . ألا يعتبر هذا تجزئة للبلاد وتقسيماً لها؟. . هذه المعادلة الخطيرة لم يفهمها كثيرمن قيادات الاحزاب، اما النظام السياسي الثالث من الانظمة العالمية فهو النظام الكونفدرالي وهو النظام الذي تحتفظ فيه كل دولة بشخصيتها الاعتبارية المستقلة وينشأ بين الدول التي تريد شكلاً معيناً من اشكال التحالف تنسيق معين وتعاون كمجلس التعاون الخليجي.