من هديه صلى الله الله عليه وسلم ومن معالم التيسير ورفع الحرج انه وفي حجة الوداع وتحديداً يوم النحر ما سئل عن شيء قدم اواخر إلا قال :«افعل ولا حرج» وهكذا كانت احوال النبي صلى الله عليه وسلم في الحج- كما في سائر اموره- الاعتدال والتيسير وكراهية الافراط والتفريط، وفي حجة الوداع اعتنى صلى الله عليه وسلم بجسده غاية العناية، كما اتخذ من يخدمه ويقوم بأمره، ونام ليلة عرفة ومزدلفة وترك جميع الصلوات النافلة، وركب في تنقلاته بين المشاعر وغير ذلك من الامور التي ترفق بالجسد وتمكنه من التقوي على العبادة واداء النسك بحضور قلب وتدبر وخشوع وطمأنينة «1».
ومن عظيم تيسيره ومنهجية اعتداله انه صلى الله عليه وسلم ما سئل عن امر قدم اواخر من افعال الحج إلا قال: افعل ولا حرج، حتى اصبح هذا شعاراً للحج وعنواناً للحاج وتعبيراً عن شريعة الاسلام التي جاءت بالوسطية والاعتدال والتحفيف والاتزان، ولاشك ان اعمال الحج البدنية تحتاج لمزيد من المرونة والاعتدال والتيسير على ضيوف الرحمن ووفوده وخاصة في المناسك التي يقع فيها التدافع والزحام الشديد كما في رمي الجمرات فالقصد من الرمي هو الذكر «واذكروا الله في ايام معدودات» وهي ايام التشريق الثلاثة ال«11، 12، 13» من شوال واستناداً إلى منهجية التيسير في الشريعة الاسلامية واقتداء واتباعاً لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم في الحج ولاعتبارات شرعية وواقعية فقد ذهب عدد من العلماء إلى جواز الرمي قبل الزوال نظراً للزحام الشديد والامواج البشرية والتدافع الكبير الذي يؤدي إلى ازهاق وهلاك الحجاج، رغم كل اعمال التوسعة في جسر الجمرات تظل المشكلة القائمة عندما تتكدس اعداد كبيرة وافواج هائلة من الحجاج عند بداية جسر الجمرات قبل الزوال انتظاراً لبدء عملية الرمي عند الزوال مما يؤدي إلى ان يتدافع هؤلاء بصورة امواج وكتل بشرية تدوس كل من يسقط أو يتعثر، فاذا سقط شخص سقط بعده عدة اشخاص وربما عشرات أو مئات مما يجعل من جواز الرمي قبل الزوال امراً ضرورياً وواجباً شرعياً، وخاصة ان عدداً من العلماء والفقهاء قديماً وحديثاً قد قالوا بهذا بحيث تصدر فتوى رسمية من هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية تؤكد على جواز الرمي قبل الزوال وان وقته يمتد خلال اربعة وعشرين ساعة، وهذه الفتوى تأتي مشابهة لفتاوى سابقة لهيئة كبار العلماء بجواز الطواف في الادوار العليا من الحرم نظراً للازدحام الشديد في صحن الحرم، مع ان الاصل هو الطواف في الصحن، وكذلك فتوى بجواز المبيت بمزدلفه أيام التشريق اذا اشتد الزحام وامتلأت الخيام في منى. . وغير ذلك من الفتاوى التي تراعي احوال الناس وارواحهم مع زيادة اعداد الحجاج بصورة هائلة، وقد تكررت مأساة وفاة بعض الحجاج عند جسر الجمرات اكثر من مرة، كان آخرها في حج 1425ه عندما توفي «244» حاجاً ومثلهم جرحى اثناء رمي الجمرات، ولاشك ان حكومة المملكة العربية السعودية قد عملت كل ما بوسعها في سبيل توسيع جسر الجمرات وتوفير كافة الخدمات والامكانيات لراحة حجاج بيت الله، وكل من زار الديار المقدسة في مكة والمدينة معتمراً أو حاجاً يدرك الاهتمام الكبير بالمشاعر المقدسة وكل سنة يظهر مشروع جديد، وكل عام يرى الناس عملاً فريداً من توسعة وحذف واضافة، ويكفي ان منى تعتبر اكبر مدينة في العالم مؤقتة -لمدة ثلاثة ايام -تتوفر فيها كل الخدمات واحتياجات السكن والاقامة من كهرباء وماء وطرق وهاتف ومستشفيات ومرافق صحية ومراكز شرطة ومرور. . وذلك لعدد «2» مليون انسان يعيشون في هذا المكان المقدس ثلاثة ايام. . ويبقى على هيئة كبار العلماء إصدار فتوى جماعية ونشرها علانية تؤكد على جواز الرمي على مدار الساعة !!.