دعوة رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة المعارضة إلى العودة إلى الحوار الوطني تتكرر من جديد، لكن هذه المرة بحضور وساطة عربية ممثلة في الجامعة العربية، من هنا يتبادر إلى الذهن السؤال الذي ينتظر الإجابة وهو: هل تستجيب المعارضة للدعوات العربية بالعودة إلى الحوار الوطني؟ الأيام القادمة كفيلة بالإجابة عن هذا السؤال، ويبدو من وجهة نظري أن استجابة المعارضة متوقعة، خاصة وأن سلاح الشارع فشل في تحقيق أهدافه بإسقاط الحكومة وتشكيل حكومة وحدة وطنية على أنقاضها، كما فشل في الضغط على حكومة السنيورة لإجراء تعديلات دستورية بشأن الانتخابات النيابية، أو إجراء انتخابات نيابية مبكرة. ولذلك ليس أمام المعارضة اليوم سوى القبول بالوساطة العربية كحل يحفظ ماء وجه الجميع ويعيد المياه إلى مجاريها، السنيورة أعلنها صراحة ومد يده إلى الجميع للمشاركة في الحكم، أما انقطاع الحوار مع المعارضة فلن يفيد الطرفين ولن يفيد القضية اللبنانية.
لبنان مقبل على استحقاقات كبرى وتحديات عظمى، فأمام جميع الأطراف سواء الحكومة أو المعارضة مسؤولية إعادة إعمار لبنان، والمؤتمر الاقتصادي بباريس على الأبواب، لذلك ينبغي على المعارضة أن تستسلم للأمر الواقع وتوافق على الحوار، السنيورة في خطابه بمناسبة الأعياد يدعو المواطنين إلى الهدوء وعدم التصعيد الذي يزيد الأمور تعقيداً، مؤكداً أنه وفَّر كل أسباب النجاح لمبادرة الأمين العام لجامعة الدول العربية الذي دعا بدوره إلى التشاؤل ثم التفاؤل، بمعنى أن هناك تقدماً على المسارين رغم وجود عوائق تحول دون التقدم بسرعة فالمسألة بحاجة إلى وقت ليتمكن عمرو موسى من إيجاد صيغة حل توافقي. خاصة بعدما أشاد بوجود رغبة لدى جميع الأطراف لوضع حل للأزمة السياسية اللبنانية الراهنة.
الواقع أن الأزمة السياسية التي عصفت بلبنان لن تحل إلا بالعودة إلى الوفاق الوطني والتوافق السياسي والحوار ومناقشة كافة القضايا ومحاولة التوصل إلى حل وسط يرضي جميع الأطراف دون المساس بمصلحة الشعب اللبناني المتعدد المشارب والطوائف. لقد خاضت كل من المعارضة والحكومة حرباً كلامية وسجالاً سياسياً وأدركوا أن الاستمرار في التلاسن وتبادل الاتهامات لن يفيد القضية اللبنانية في شيء، بل إن تبادل الاتهامات يزيد من حدة الأزمة ويدخل البلاد في دوامة عدم الاستقرار السياسي الذي يؤثر بدوره على كافة القطاعات الأخرى الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والسياحية، لا شك أن خسائر الاقتصاد اللبناني فادحة بسبب عدم الاستقرار وبسبب الاعتصام والتظاهر المستمر الذي أصاب الحياة المدنية اللبنانية بالشلل. وهذا بالطبع يحتاج إلى وقفة من الأمة العربية والتدخل بكافة قواها والوقوف في وجه المشاريع الهدامة التي لن تأتي إلى بالدمار والحروب الأهلية والاقتتال الطائفي، ولعل لنا في العراق أسوأ نموذج لما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع في لبنان بفعل الاقتتال المذهبي الطائفي العرقي.
الحكومة اللبنانية تلعب على وتر المحكمة الدولية الخاصة بالتحقيق في اغتيال الرئيس السابق رفيق الحريري، التي ربما تكون إحدى أكبر العوائق أمام التوصل إلى حل سياسي نهائي، خاصة وأن الطابع الدولي يخيف المعارضة وخاصة حزب الله الذي لا يثق في أي محكمة دولية خاصة إذا كانت الولايات المتحدة تشرف عليها أو تتدخل في قراراتها أو طرفاً فيها، وحكومة السنيورة بدورها تعتبر أن أطرافاً خارجية يسعون إلى عرقلة عمل المحكمة. والمقصود بطبيعة الحال سورية وإيران المتحالفتان مع حزب الله. والمعارضة بدورها تتهم الحكومة بعرقلة عمل عمرو موسى والمبادرة العربية وتعتبر أن الحكومة تقف في وجه فرصة كبيرة للخروج بحل للأزمة، والنقطة الهامة التي تتشبث بها المعارضة وخاصة حزب الله هي رغبتهم في حل الأزمة داخل النطاق العربي بمعنى أنهم يرفضون أي تدخل دولي أو أميركي.
الدور العربي في حل الأزمة اللبنانية هام في هذه المرحلة لكن عمرو موسى يواجه صعوبات حقيقية، وهو ما جعله يرمي الكرة بين أحضان اللبنانيين، فالحل يكمن في مدى استجابة الحكومة والمعارضة لدعوات التهدئة وعدم تصعيد المواقف ووقف السجال السياسي. والتزام المعارضة بالتهدئة وارد جداً خاصة بعد أن أعلن «مصطفى عثمان» مبعوث الرئيس السوداني عن لقاء إيجابي جمعه بالأمين العام لحزب الله حسن نصر الله الذي التزم بدوره بثلاث نقاط إيجابية تمثلت في التزام المعارضة بالتهدئة خلال فترة الأعياد ودعم المبادرة العربية وتحريم سفك الدماء اللبنانية بالإضافة إلى سلمية المظاهرات وعدم تحولها إلى أعمال عنف أو اقتتال داخلي. هذا الالتزام من قبل المعارضة من شأنه أن يقود إلى حلول مبدئية قد تصل إلى حلول نهائية في حال بدأ الحوار البناء بين المعارضة والحكومة.
*كاتب مغربي - جدة - المملكة العربية السعودية
jalalfarhi@yahoo.com