بدأ التحرك الدبلوماسي الأميركي في الشرق الأوسط، بعد أن كشف الرئيس الأميركي جورج بوش عن استراتيجيته الجديدة في العراق، أبرز هذه التحركات زيارة كوندوليزا رايس للشرق الأوسط واجتماعها مع وزيري الدفاع والخارجية الإسرائيليين، الزيارة التي لا تحمل أي مبادرة أو محاولة سلام بقدر ما هي زيارة لحشد الدعم لواشنطن لتنفيذ بنود الخطة الأميركية الجديدة في العراق، خاصة بعد الموجة من المعارضة الشديدة التي قوبلت بها هذه الخطة خاصة من قبل الحزب الديمقراطي في الكونجرس الأميركي، الذي يعارض أي زيادة في أعداد القوات الأميركية في العراق، ويعتبر أن سياسة بوش فاشلة ومن شأن هذه الخطة أن تعمق الأزمة بدلاً من حلها. ورغم تلميح رايس بأن أولويات الإدارة الأميركية هي وضع أسس تمهد لقيام دولة فلسطينية ودعم بوش لخطة خريطة الطريق، إلا أن الهدف الحقيقي وراء زيارة رايس للشرق الأوسط هو محاولة تعزيز الرؤية الأميركية الجديدة في العراق. وتهدئة الوضع في فلسطين مؤقتاً بوضع حد للصراع الداخلي الفلسطيني لتصفية الأجواء لبدء الخطة الجديدة الهادفة إلى تضييق الخناق على سوريا وإيران.
إدارة بوش ترفض فتح قنوات للحوار مع إيران وسوريا، وبذلك تهمل نصائح تقرير بيكر - هاملتون الذي نصح بالدخول في حوار مباشر مع إيران وسوريا لوضع حد للتدهور الأمني في العراق. هذا الرفض يعتبر مؤشراً خطيراً ينذر بمواجهة مقبلة بين إيران والقوات الأميركية في العراق، خاصة بعد أن أعلن بوش عن نيته في وضع حد للتدخل الإيراني في العراق.
الحزب الديمقراطي بدوره يتحرك في العراق وأرسل وفداً مكوناً من «هيلاري كلنتون» والسيناتور الديمقراطي «إيفان بايه»، في محاولة لمعرفة ما يجري في العراق، ومعرفة مدى ملاءمة خطة بوش الجديدة للوضع في العراق، خاصة وأن مجلسي النواب والشيوخ سيجرون تصويتاً على خطة بوش ورغم أن هذا التصويت لا يلزم بوش قانونياً لكنه سيكون في وضع محرج إذا ما تم التصويت ضد القرار. هذه الزيارة يمكن تفسيرها بأنها محاولة من الديمقراطيين لوضع بديل لخطة بوش، خاصة بعد أن اتهمهم بوش بعدم توفير البديل. وهو ما يجعل بوش يمضي في خطته بغض النظر عن موافقة المعارضة الديمقراطية. . كما أن الديمقراطيين يراهنون على مسألة إحراج بوش كونه يحمّل الولايات المتحدة أعباء مالية ونفقات إضافية في العراق، وذلك بإضافة قيود على تشريع يطلب نحو 100 مليار دولار إضافية للإنفاق على الحرب في العراق.
رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي يبارك الخطة الأميركية، ويقول بأنها تتماشى مع رؤية حكومته، لكن اعتقد أن هذه المباركة شكلية فقط، لأن خطة بوش من شأنها أن تعصف بهذه الحكومة ، خاصة وأن واشنطن تمارس ضغوطاً على حكومة المالكي وتحملها مسؤولية التدهور الأمني، وتطالبها بالسعي لوقف القتل اليومي، ووضع حد لهجمات المليشيات المسلحة. وكثيراً ما ترددت عبارة إن صبر واشنطن بدأ ينفذ بحق هذه الحكومة، ولذلك لم يجد المالكي سوى السباحة في تيار الخطة الأميركية الجديدة. في محاولة للهروب من الواقع المرير.
التحرك الدبلوماسي العراقي كان حاضراً أيضاً من خلال زيارة الرئيس العراقي جلال الطالباني إلى دمشق وهي الزيارة الأولى من نوعها لرئيس عراقي منذ ثلاثين سنة، هذا التحرك هدفه الضغط على سوريا للسيطرة على حدودها ومنع تسلل المسلحين، هذه الزيارة تصب أيضاً في بوتقة خطة بوش الجديدة، والتي تتضمن كبح تدفق المسلحين والسلاح عبر الحدود السورية، ووقف العناصر الإيرانية التي تتسلل إلى المؤسسات العراقية، في محاولة لكبح النفوذ الإيراني في العراق.
ويبدو أن معاناة القوات الأميركية في العراق تتركز في العاصمة بغداد وفي محافظة الأنبار، وهو الأمر الذي دفع بالإدارة الأميركية إلى وضع خطة بإرسال 4000 جندي إضافي إلى محافظة الأنبار و وإرسال 17500 جندي إلى بغداد. بالإضافة إلى تخصيص نفقات إضافية لدعم البنية التحتية والاقتصاد والمجتمع المدني وتحسين النظام القضائي ودعم المؤسسات الحكومية.
الإدارة الأميركية ستغرق في المستنقع العراقي من جديد، فخطتها الجديدة تفتقد إلى الواقعية، ومسلسل العنف مستمر بشكل تصاعدي، ولا يوجد أي تقدم لدمج المليشيات في صفوف الجيش العراقي، بالإضافة إلى أن الثروة في العراق أصبحت بيد فئة دون أخرى، وهو ما سيزيد من الصراع على الثروة وبذلك سترتفع حدة الاقتتال، كما أن امتناع إدارة بوش عن تحديد جدول زمني للخروج من العراق سيزيد من حدة الهجمات على الجيش الأميركي في العراق، وهذا يعني مزيداً من الغرق في المستنقع العراقي.