;

تعقيب على مقال :«الإسلام المختطف والأمة المقطعة...» للغابري 1296

2007-02-21 17:07:44

كتبه/عبدالله بن غالب الحميري



انتباهي وانا اتصفح صحيفة «الناس» في عددها الاثنين الماضي «332» 1427/1/17ه مقال «الاسلام المختطف والامة المقطعة. . بين الشيعة الصفوية والوهابية السعودية» للكاتب محمد الغابري.
والموضوع من حيث العموم لافت ومفيد وخصوصاً الاول اثناء عرضه لمعتقدات الرافضة وتشويههم لصورة الاسلام واختزاله في التشيع لآل البيت وتأليه الائمة، وهو مالا غبار حوله ولا خلاف عليه.
واما الشق الآخر في الموضوع فلي معه بعض الوقفات المهمة اقفها مع الكاتب لغرض التقويم والتسديد راجياً أن يتسع لها صدر الكاتب وان يعيد النظر في ما كتب لامرين:
الاول- لانه مسؤول امام الله تعالى عما قاله وكتبه.
الثاني- لان التزام منهج العدل في الحكم على اي طائفة أو طرف لا يجوز الحياد عنه ولا الشطط فيه «واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل» «واذا قلتم فاعدلوا» وهو مالم يلتزم به الكاتب فوقع له الخبط والخلط مالا يجوز السكوت عليه.
الوقفة الاولى: ليس هناك حركة وهابية في الواقع تسمي نفسها بهذا الاسم كما زعم الكاتب أو ترضى ان يطلق عليها احد هذا المسمى انما هو لقب اطلقه خصوم الدعوة السلفية من الشيعة والصوفية وغيرهما لغرض التنفير عن دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله- وتشويهها، وهي دعوة سلفية نقية وحركة تجديدية فتية كان لها اعظم الاثر وكبير النفع في الجزيرة العربية خصوصاً وفي العالم الاسلامي عموماً، من نشر الوعي وبث روح العلم والمعرفة، والقضاء على كل مظاهر القبورية والشعوذة والخرافات والشركيات، واعادة الناس إلى المنبع الصافي والمنهج الصحيح الذي كان عليه سلف هذه الامة. . وبركاتها مازالت قائمة إلى اليوم. وهو ما أثار عليها حفيظة الاعداء الحاسدين فرموها عن قوس واحدة بكل حجر ومدر وافتروا عليها الاكاذيب والله غالب على امره.
الوقفة الثانية: ادعاء الكاتب بأن الوهابية تبالغ في تعظيم الصحابة إلى درجة غير معقولة قد تصل إلى العصمة على حد زعمه، وهي تهمة موجهة لكل ابناء الحركة السلفية في العالم وهذا الزعم غير صحيح ولا واقع، فاهل السنة على اختلاف مشاربهم لا يوجد عندهم في هذا الباب ما يدنو أو يقرب من منهج الروافض وغلوهم الذي تجاوزوا فيه حد المعقول والمنقول فضلاً عن ابناء الحركة السلفية الذين هم ابعد الناس عن الغلو بل يحذرون منه، والكاتب في هذا الكلام متحامل وفي حكمه هذا غلو وشطط وخروج عن منهج الاعتدال.
اما منزلة الصحابة رضي الله عنهم عند عموم اهل السنة والجماعة فهي تحتل الصدارة لفضلهم وسابقتهم والقول بعدالتهم لا يعني ابداً القول بعصمتهم، فالعصمة منتفية عن كل احد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، واما عدالتهم فمحل اجماع عند سائر طوائف اهل السنة ومذاهبهم بمقتضى ثناء الله تعالى عليهم وتزكيته لهم والمقام لا يتسع لسرد الادلة هنا، واما حبهم وولاؤهم فأصل من اصول هذا الدين، وهم سادة اولياء الله المتقين، ونقلة هذا الدين، وهم ان كان يصدر الخطأ من آحادهم، ويجوز عليهم السهو والغفلة ووقوع الذنب إلا ان العصمة ثابتة لهم فيما اجمعوا لانهم لا يخرجون عن الحق، ولا يجتمعون على ضلالة، كما اخبر بذلك النبي- صلى الله عليه وسلم- بقوله: «لا تجتمع امتي على ضلالة» ونقول فيهم كما قال ائمة السلف : «اجماعهم حجة قاطعة، واختلافهم رحمة واسعة» وفرق كبير بين من يدعي العصمة للافراد كالرافضة وبين القول بعصمة الامة بمجموعها اذا اجمعت على امر ما وهو ما جهل الكاتب فهمه.
واما عبارة الكاتب: بأن معاوية بن ابي سفيان مبتدع ولاية العهد- حسب تعبيره- افضل عند السلفية من «عمر بن عبدالعزيز» فاقول: لا يخفى ما فيها من الغض من مقدار هذا الصحابي الجليل، وجهل من الكاتب بمقدار شرف الصحبة التي لا يعادلها شرف، ولا يرقى إلى مقامها شأن احد مهما عظمت منزلته ولو كان الخليفة عمر بن عبدالعزيز - رحمه الله- وهذا محل اتفاق عند اهل العلم.
وقد جرت عبارة الكاتب هنا على عادة ما تجري به اقلام الكتاب المحدثين والمتأثرين بلوثة التحامل على بعض الصحابة أو كلهم، وهو شأن كل ما لم يحمل علماً شرعياً، ولم تسلم ثقافتهم من الخلط، وتفتقر إلى التأصيل العلمي، واذكر الاخ الكاتب بقول الله تعالى : «والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا انك رؤوف رحيم» وبقول النبي- صلى الله عليه وسلم- :«لا تسبوا اصحابي فان احدكم لو انفق مثل احد ذهباً ما بلغ مد احدهم ولا نصيفه» رواه مسلم.
وبوصيته -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: «الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضاً بعدي. . . » الحديث.
ومعاوية- رضي الله عنه- احد كتاب الوحي وعالم مجتهد وصحابي جليل وليس تصويبه أو تخطئته من شأن هذا الكاتب ولا غيره ممن يجهلون مقام الصحبة ويخوضون فيما يحسنون ومالا يحسنون، فمعاوية - رضي الله عنه- كما يقول السلف: «حلقة الباب من حركها اتهم في دينه» وكل من تجرأ على مقام الصحابة ممن في قلبه مرض!! انما دخل من هذا الباب، حتى يصل ابي بكر وعمر وغيرهما -رضي الله عن الجميع- فليتنبه الكاتب وامثاله لهذا المنزلق الخطير، وليستغفر الله من عثرة لسانه وزلة قلمه.
الوقفة الثالثة: زعم الكاتب بأن مصطلح السلف والسلفية لا اصل له !!
وهو جهل منه بحقيقة هذا المصطلح لفظاَ ومعنى، ولا ادري ان كان يقصد نفي المسمى في اللغة والاصطلاح ام نفي حقيقية تطبيق المنهج، وكلا النفيين خطأ: فالسلف هم كل من تقدم على هدي وسلف هذه الامة هم خيارها من الصحابة والتابعين ومن تبعهم باحسان من اهل العلم والدين- والسلفية نسبة اليهم في اصول الفهم والاتباع قال تعالى : «فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وان تولوا فانما هم في شقاق، وقال تعالى :«واتبع سبيل من اناب إلي» واذا لم يكن هؤلاء الصادقون المهتدون هم سلف خير وصدق لنا فمن سلفنا ؟!!.
ومع هذا فلكل طائفة سلف: فالروافض لهم سلف، والخوارج لهم سلف، وسائر الفرق لهم سلف في الضلال والبدع والهوى!!! وما حادت هذه الفرق عن الحق إلا لأنها جانبت منهج السلف الصالح في الفهم والاتباع، ولم تسر على مثل ما سار عليه النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه.
واقول للاخ الكاتب: ان اتباع السلف والاخذ بفهمهم لا يعني الانغلاق والغاء العقل كما زعم، ولكن يعني التأسي والاقتداء باصول فهمهم للكتاب والسنة في الاحكام والاخبار والوعد والوعيد والغيبيات والتقرير والرد لانهم عاصروا التنزيل وفهموا التأويل- واما اعمال العقل في الفهم والاستنباط والاختراع وغيره فليس فيه خطر على احد، ولم يقل احد من اهل العلم بمنع ذلك مادام العقل يسير في مجاله الصحيح، واما الشطط والتجاوز في اقحام العقل في كل شيء وجعله حاكماً على النصوص يقبل منها ما يشاء ويرفض منها ما يشاء بدون هدى ولا برهان من الله. . فهذا منهج اهل الاهواء والبدع المتخولين في دين الله والقائلين عليه بغير علم. . كالمعتزلة وغيرهم وان سموا انفسهم عقلانية أو عقلانيين.
فالسلفيون وسط لا يهملون العقل كما هو الحال عند الرافضة والصوفية، ولا يقدسونه كما تفعل المعتزلة وغيرهم. . حتى جعلوه صنماً يعبد من دون الله تعالى، ولا اظن التعريف هنا يخفى على من لديه ادنى ثقافة شرعية، ولكن كما قيل:
اذا لم يكن للمرء عين صحيحة
فلا ريب ان يرتاب والصبح مسفر
الوقفة الرابعة والاخيرة: ما ادعاه الكاتب من صنمية ولي الامر عند اهل السنة وانه يلتقي مع الشيعة والتشيع وألا فرق بين الامام المعصوم عند الرافضة وولي الامر عند السنة.
فاقول: هذا الادعاء من مجازفات الكاتب وشططه في الحكم، فطاعة ولي الامر عند اهل السنة والجماعة واجب شرعي لامر الله تعالى بها في قوله تعالى :«يا أيها الذين آمنوا اطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولى الامر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا» وهذه الطاعة مشروطة في غير معصية الله تعالى فهي طاعة بالمعروف كما قال النبي عليه السلام :«انما الطاعة بالمعروف- لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»، وقوله عليه الصلاة والسلام:«على المرء المسلم السمع والطاعة فيما احب وكره إلا ان يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» وقوله عليه الصلاة والسلام : «من أطاع أميره فقد أطاعني ومن عصا أميره فقد عصاني»، وقوله عليه الصلاة والسلام :«من كره من اميره شيئاً فليصبر عليه»، وقوله عليه الصلاة والسلام «من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية» إلى غيرها من الاحاديث وهي في الصحيحين وفي بعضها.
فاذن اتباع هذه النصوص الشرعية لا يجوز ان يطلق عليه صنمية ولاة الامر، بل هي شرعية طاعة ولاة الأمر، فاهل السنة والجماعة يدينون بطاعة ولي الامر والنصح لهم وعدم الخروج عليهم بسبب ظلم أو فسق ما داموا لم يخرجوا عن الدين ولم ير منهم كفر بواح متيقن عندنا من الله فيه برهان، وحرمة هذا الخروج لما يؤدي اليه من فتن وفرقة لكلمة المسلمين، ولما يجلبه من شر عليهم كما اكدته الحقائق التاريخية. . ولأن الخروج لم يجلب لهم خيرا ابداً. وكما ان عدم الخروج على الحاكم لا يعني عدم نصحه وامره وتوجيهه كما درج على منهج السلف واتباعهم من الخلف، فالنصيحة شريعة المؤمنين ومنهج اهل الحق والدين، واما ممالأة الحكام على الباطل ومداهنتهم فيه وعدم الصدع بالحق خشية تفرق كلمة المسلمين فليس من منهج اهل الحق، وهنا قد أتفق مع الكاتب من ان هناك ممن يبالغون في طاعة ولاة الامور إلى حد يجعلهم يطلقون عبارة الخروج أو الخوارج على كل من صدع بكلمة الحق ووجدت به صرامة في تغيير المنكر أو كشف بعض أعيب الحكام وتبعيتهم للاعداء، وربما صاروا اعينا للحكام على اخوانهم الدعاة، ومع هذا فلا يصلون ابدا لمشابهة الرافضة في ائمتهم كما زعم الكاتب.
واختم هذه الوقفات بأن ما ادعاه الكاتب على الشيخ ابن عثيمين رحمه الله غير صحيح واتهام لا يصدق على صغار طلاب العلم فضلاً عن مكانة الشيخ ابن عثيمين وعلمه، والكلام ان لم يكن كذباً فلا اقل من انه مبالغ فيه، وعلى الكاتب ان يبرهن على ما يقول، ولا يجوز له اطلاق العبارات جزافاً بدون تثبت، واما الكتابان المذكوران فهما مفتريان ومكذوبان، واتحدى الكاتب ان يبرهن على ذلك ان كان صادقاً من وجود الكاتبين وعليه ان يتقي الله فيما يكتب وألا يهرف بمالا يعرف.
وفي الاخير هذا ما رأيت ان اتعقب الكاتب فيه مما تدعو الحاجة إلى بيانه ليعلم الكاتب وغيره الفرق بين دين الرافضة الذي هو ظلمات بعضها فوق بعض، وبين السلفية الربانية الحقيقية السمحة. . والله من وراء القصد وهو الهادي إلى الصراط المستقيم.

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

أحمد ناصر حميدان

2025-01-18 00:17:31

وطن يصارع الضياع

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد