فالسلفيون بمختلف مدارسهم العلمية وفصائلهم التنظيمية يشكلون قوة مؤثرة في المجتمع لا ينبغي اغفالها أو اقصاؤها أو التقليل من شأنها، خصوصاً والأوضاع الراهنة تفرض على الجميع تحقيق شعار «الوطن للجميع».
والسلفيون- من خلال قربي منهم -احرص الناس على الثوابت والقيم الاسلامية والوطنية، ويكرسون جهودهم لتحصيل العلوم الشرعية والوعظ والارشاد والعمل الخيري والاغاثي، ويتمتعون بقدرة على الحشد الجماهيري والتأثير في قناعات الرأي العام الشعبي رغم قلة الامكانيات الاعلامية لديهم، وبسبب عزوفهم عن العمل السياسي بمفهومه الحالي «الديمقراطية، الانتخابات،...الخ» ظل السلفيون في اليمن خلال الفترة الماضية غائبين «أو مغيّبين» عن المشهد السياسي وبعيدين عن صناعة القرار الوطني، وان كان ثمة حضور للسلفيين في الآونة الأخيرة سواء في الانتخابات الاخيرة أو في الموقف من الفتنة الحوثية بصعدة، فهو من جانب نتيجة لافلاس القوى السياسية الموجودة على الساحة من اي مشروع نهضوي حقيقي، وتخاذلها في الدفاع عن بعض قضايا الوطن المصيرية، ومن جانب آخر نتيجة للظهور المفاجئ لبعض رموز السلفية في اليمن على وسائل الاعلام والتعبير عن قناعاتهم ومواقفهم بوضوح وجرأة غير معهودة..
يتخوف الليبراليون من ان يؤدي التقارب الحالي بين بعض الفصائل السلفية والنظام الحاكم إلى عملية احلال، بحيث يحل السلفيون مكان الإخوان المسلمين بعدما انتهت صلاحيتهم حسبما اشار إلى ذلك الرئىس نفسه في احدى المقابلات التلفزيونية إبان الحملة الاعلامية للانتخابات الرئاسية والمحلية الأخيرة والواقع انه لا السلفيون سيقبلون بأن يكونوا ورقة مؤقتة بيد النظام، ولا النظام قادر على التكفير عن خطئه المتمثل بتهميش السلفيين ردحاً من الزمن بمجرد لقاء عابر مع رئىس الدولة فرضته ظروف المرحلة وحالة العزلة التي يمر بها النظام.
السلفيون لا يسعون حالياً للسلطة ولا حتى بعد خمسين سنة، ولا يريدونها ولا يفكرون فيها، وهذا لا يعني- بالطبع- انهم لا يطمحون مطلقاً إلى الحكم، بل لديهم طموح ان يتمسلف الحاكم، أو يحكم السلفي، ولكن على اساس «وأتوا البيوت من أبوابها» وباب الحكم عندهم يبدأ من المسجد على طريقة الرسول الكريم، من غير الحاجة للتقية ريثما يستكمل بناء الكهوف والمغارات أو خروج امام سامراء، كما لا يؤمنون بالميكافيللية التي تجيز التحالف مع الشيطان وتؤسلم الكفر وتبيح المحظور وتجعل من المصلحة المرسلة صنماً يعبد...!!.
السلفيون كذلك لا يرون الخروج عن الوالي الظالم وإنْ أخذ المال وجلد الظهر مالم يأت كفراً براحاً لهم فيه من الله برهان، ولعل هذا هو السبب الذي جعل الانظمة العربية تركن إلى جانب السلفيين رغم مصادرة حرياتهم وتهميش دورهم وممارسة التضييق عليهم، بينما تسارع بعض الانظمة لمراضاة الخارجين عنها ولربما صرفت لهم التعويضات السخية ليشتروا بها السلاح ويعيدوا الحرب عليها جذعة..!!.
السلفيون في اليمن جزء من هذا الشعب، ومواقفهم المتصلبة حيال بعض القضايا التي يعتبرونها ثوابت ومصيريات لا ينبغي التحسس منها لدرجة استقصائهم واستبعادهم ومصادرة حقهم في صناعة القرار الوطني، وتقاربهم مع النظام أو اتفاقهم معه ازاء قضايا معينة لا يعني بالتأكيد الحكم عليهم بأنهم جزء من طابور «حملة المباخر» لاسيما وان تلك القضايا التي يتفقون بشأنها مع النظام لم يتخذوا موقفهم ازاءها تلبية لرغبة الحاكم أو لهوى في النفس وانما اتباعاً للشرع ووفقاً للمصلحة الشرعية المتوخاة..
الوطن وليس الرئىس فحسب بحاجة للسلفيين وكل الخيّرين من ابنائه، ليس في المرحلة الراهنة ولكن على الدوام، والسلفيون بحاجة للخروج من «غفلة الصالحين» وابلاغ رسالتهم للناس بصورة حضارية واضحة.. والله الهادي إلى سواء السبيل
Ahmady3@hotmail.com