عبدالله محمد الغريب
البعد التاريخي
> لماذا نقدم الدراسة التاريخية
في العالم الإسلامي اليوم حركات باطنية رهيبة: كالرافضة، والنصيرية، والدرزية، والبهائية، والاسماعيلية، وتقوم هذه الحركات بتنظيم نفسها على اساس انتمائها الطائفي، ويتوارى قادتها خلف شعارات حديثة براقة كالقومية، والديمقراطية، والاسلام والاشتراكية، وتهدد هذه الحركات واقع «مستقبل الدعوة الإسلامية، ولقد اقاموا نظامين لهم في كل من إيران وسورية، وقادة هذين النظامين يقولون صراحة بأن حركتهم ستعم العالم الإسلامي، وفعلاً نجد لهم ركائز في كل بقعة من العالم الإسلامي، ومن المؤسف ان يعلق معظم المسلمين الآمال العريضة على ما يسمى بالجمهورية الايرانية الاسلامية، لا لشيء إلا لانها ترفع الشعار الاسلامي، ومن قبل رفعت حركة القرامطة الشعار الإسلامي، وتظاهرت الدولة العبيدية في مصر بانتمائها للإسلام، وعندما ملك العبيديون والقرامطة امر المسلمين افسدوا الحرث والنسل، ونشروا الكفر والاباحية، واستباحوا دماء المسلمين في حج عام 3170، ومن اجل ألا يعيد التاريخ نفسه رأينا ان نتقدم بهذه الدارسة التاريخية لنربط الحاضر بالماضي؛ إذ لا يصح لمن يتصدى لدراسة حركة وتقويمها ان يغفل عن تاريخ هذه الحركة.
ومما لا شك فيه ان الدروز والنصيريين والبهائيين والاسماعيليين يعودون إلى اصل واحد هو التشيع، وهذا التشيع يعود إلى اصول مجوسية، وليست اسلامية وموطن المجوسية بلاد ايران وفارس.
وفي هذه الدراسة التاريخية نتحدث عن تاريخ المجوسية في ايران، واثر هذه المجوسية على مختلف فرق الشيعة، ونود بادئ ذي بدء ان نسجل هاتين الملاحظتين:
1- هناك فرق واسع، وبون شاسع بين شيعة علي رضي الله عنه الذين كانوا يرون انه احق بالخلافة من معاوية، وان الاخير قد بغى على امير المؤمنين علي، ولهذا وقفوا إلى جانبه وحاربوا تحت رايته، وبين شيعة اليوم الذين يقولون بعصمة الائمة، ويشتمون الصحابة، وينكرون السنة، ويعتقدون بالرجعة والتقية.
2- لا بد من التفريق بين الفرس المجوس الذين كادوا للإسلام وتآمروا عليه، والفرس الذين دخلوا في دين الله، وحسن اسلامهم، وذادوا عن الإسلام بسيوفهم وعلمهم ومالهم، فكان على رأسهم الصحابي الجليل سلمان رضي الله عنه وغيره من اعلام السلف الذين قال عنهم صلى الله عليه وسلم- عن ابي هريرة رضي الله عنه قال: كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم فانزلت عليه سورة الجمعة «وآخرين منهم لما يلحقوا بهم» قال: قلت من هم يا رسول الله؟ فلم يراجعه حتى سأل ثلاثا وفينا سلمان الفارسي، وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على سلمان، ثم قال: «لو كان الايمان عند الثريا لناله رجال أو رجل من هؤلاء» رواه البخاري.
واذن فان حديثنا في هذه الدراسة عن الفرس المجوس، اما الفرس المسلمون الذين قصدهم رسول الله صلى الله وسلم بهذا الحديث فهم اخواننا وسلفنا واعلامنا، ونبرأ إلى الله من لوثة كل قومية: عربية كانت أو فارسية ونشكره تعالى الذي من علينا بالإسلام ونزع من قلوبنا عبادة الاصنام والاوثان.
وفي هذه العجالة ندرس تاريخ ايران في المراحل التالية:
1- إيران قبل الإسلام.
2- موقف الفرس من الإسلام.
3- مؤامرات الفرس بعد الفتح الإسلامي.
- إيران في عهد آل بهلوى.
> الفصل الأول
إيران قبل الإسلام
كانت بلاد فارس مهد الحضارات في شعاب الزمن إلى قرون مضت قبل ميلاد المسيح عليه السلام، ولقد بالغ الفرس في تمجيد تاريخهم، والتعصب لعرقهم، فاعتقد بعضهم ان ملكهم الاول «كيومرث» هو ابن آدم الاول، وانهم اصل النسل، وينبوع الذرء، وطائفة ثانية قالت: ان «كيومرث» هو اميم بن لاوذ- بن ارم بن سام بن نوح، وطائفة ثالثة كانت تعتقد ان «كيومرث» نبت من نبات الارض وهو «الريباس» وتحول هذا الرأي إلى مذهب اعتقادي اسمه «الكيومرثية» خلاصته الصراع ما بين الظلمة والنور، واهتم الفرس منذ القديم بالدين، وأحلوه المرتبة الاولى في حياتهم، ويدلنا على ذلك تسلسل الطبقات الاجتماعية عندهم:
1- طبقة رجال الدين.
2- طبقة رجال الحرب.
3- طبقة كتاب الدواوين.
4- طبقة الشعب من الفلاحين والصناع.
ومن طبقة رجال الدين: الحكام، والعباد، والزهاد، والسدنة، والمعلمون، ولما كان الدين اهم انتاج حضاري ابتكره الفرس- كما يزعمون-وكانت الفرق الباطنية التي تهدد المسلمين اليوم مرتبطة اشد الارتباط بعقائد الفرس القديمة. . لهذا وذاك نستعرض اهم اديان الفرس تلك:
> المبحث الأول: مزدا
يتفق معظم العلماء على ان مزدا «الحكيم» هو إله القبائل المستقرة والمتمدنة في إيران، بل يعتقدون انه إله العالم والناس جميعاً.
وجوهر المزدية يقوم على ركنين: الصفاء اولاً، والعموم ثانياً، ومن الصفاء الدعوة إلى الاخلاق والعمران، وتقف المزدية على نقيض مع عقيدة الشياطين التي يؤمن بها اللصوص والمحاربون والقبائل الرحل، ومنذ الوقت الذي دخل فيه الايرانيون التاريخ «ومزدا اهورا» هو الإله الاعلى عندهم، وهو الذي يتولى ارسال الانبياء إلى اهل الارض ومن رسله» «كيوميرث» و«زرادشت».
و«مزدا اهورا» أو «امورمزد» هو الذي رفع السماء، وبسط الارض وخلق الملائكة واول من ابدع من الملائكة بهمن «1» وعلمه الدين، وخصه بموضع النور مكاناً.
> المبحث الثاني: الزردشتية
في القرن السابع قبل الميلاد ادعى «زرادشت» انه نبي ارسله «مزدا»، ومن عقيدة زرادشت:
- الصراع بين الروحين: روح الخير، وروح الشر.
- النور والظلمة اصلان متضادان وهما مبدأ وجود العالم، وحصلت التراكيب من امتزاجهما، كما ان الصور حصلت من التراكيب المختلفة.
- الباري تعالى هو خالق النور والظلمة ومبدعهما وهو واحد لا شريك ولا ضد ولا ند له، ولا يجوز ان ينسب إليه وجود الظلمة كما قالت الزروانية. «2»
- انبثق عن امتزاج النور مع الظلمة: الخير، والشر، والصلاح، والفساد، والطهارة، والخبث، ولولا هذا الامتزاج لما وجد العالم، ولسوف يستمر الصراع بينهما حتى يغلب النور الظلمة، ويغلب الخير الشر، ثم يتخلص الخير إلى عالمه، وينحط الشر إلى عالمه وذلك هو سبب الخلاص.
والزردشتيون يقدسون الماء إلى درجة انهم لا يغسلون به وجوههم، وهو عندهم لا يستعمل إلا للشرب أو ري الزرع، وللإنسان عندهم حياتان: حياة اولى تحصى فيها اعمال الانسان، وحياة اخرى ينعم الانسان أو يشقى فيها، وفي الحياة الثانية يتحدثون عن جهنم والصراط المستقيم، والزردشتيون ينتسبون إلى قبيلة «المغان» وقبل اكتساح الزردشتية منطقتي ميديا وفارس كان رجال الدين ينتسبون إلى قبيلة «ميديا».
ولقبيلة «المغان» حق الاشراف على بيوت النار التي يقيمون فيها شعائرهم الدينية، ومن اهم معابد الزردشتية أو بيوت نارهم: معبد «يزد» وقد حول إلى مسجد كبير بعد الفتح الاسلامي، والشمس إله من آلهة الزردشتيين؛ لأنها مصدر النور، كما ان الجدب عندهم من مصادر الظلمة، وزردشت الحكيم هو زردشت بن يورشب ولد في اذربيجان وأمه من الري، ويعتقد الفرس بأن روح زردشت كانت في شجرة انشأها الله في اعلى عليين واحف بها سبعين من الملائكة المقربين، وغرسها في قلة جبل من جبال اذربيجان.
ولزردشت كتاب اسمه «زند اوستا» يقسم العالم فيه إلى قسمين : مينة، وكيتي، يعني الروحاني والجسماني وبلغة اخرى: اللاهوت والناسوت، والزردشتية جماعة منظمة ولها درجات ومراتب، وتطور امرها بعد ان آمن بها ازدشير الاول وابنه سابور واتخذا منها دينا لدولتهم.
هوامش :
1- من الجدير بالذكر ان اسم «بهمن» تحمله عائلة كبيرة في إيران، وتمكنت هذه العائلة الفارسية من الوصول إلى بلاد الخليج العربي، وحصل بعض افرادها على الجنسية، وكان لهم عضو في مجلس الأمة الكويتي، ومعظم افراد هذه العائلة من كبار تجار الكويت أليس في احتفاظ هذه العائلة اسم «بهمن» دليل على التعصب للمجوسية رغم زعمهم بأنهم مسلمون؟؟.
2- الزورانية مذهب من مذاهب المجوس، ويعتقد اتباع هذا المذهب ان الشيطان من مصدر ردئ وأنه كان مع الله.
يتبع. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . العدد القادم