د. كمال بن محمد البعداني
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك بالعبادة تلعبُ
من كان يخضب خده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضبُ
نعم. هذا هو لسان حال قواتنا المسلحة التي تواجه حركة التمرد في منطقة صعدة، فمما يؤسف له ان الكثير منا لا يدرك تمام الادراك ما تقوم به هذه القوات هناك، ولا اي عدو يواجهون، وعلى اي ارض يتحركون.
ألا يعلم هؤلاء ان هذه المنطقة من اصعب المناطق الجغرافية في اليمن؛ حيث لا تزال المواقع المحصنة التي شيدها ابناء مصر في تلك المناطق اثناء الدفاع عن الثورة خير شاهد على ذلك.
ألا يعلم هؤلاء ان الجيش هناك يواجه عدواً ينظر إلى كل من يرتدي البدلة العسكرية على انه يهودي؛ حتى ولو صلى الصلوات الخمس.
نعم. والله! هذه نظرتهم وثقافة حتى الاطفال منهم، والمأساة ان هؤلاء الاطفال درسوا في مدارس حكومية على يد مدرسين يستلمون رواتب شهرية من خزينة الدولة، لقد تم كل ذلك في ظل غفلة تامة من بعض مسؤولي الدولة وتغافل من البعض الآخر.
ان من المفيد القول ان الحكومات المتعاقبة في اليمن منذ خروج الجيش المصري عام 67م لم تصل إلى هذه المناطق مما جعلها مرتعاً خصباً لهذا الفكر الرافضي الخبيث وموطناً يُعشعش فيه كل من يحلم بعودة الامامة إلى اليمن، وقد قُدّر لهذه القوات العسكرية التي تقاتل هناك ان تتحمل نتيجة تقصير الحكومات المتعاقبة من بعد الثورة إلى يومنا هذا، ومع ذلك فان هذه القوات هناك لا تُعطى حقها من الدعم والمؤازرة كما يجب؛ حتى ان بعض خطباء الدولة في المساجد يدعون للمقاتلين في كشمير والفلبين ولا يلتفتون إلى اخوانهم المقاتلين في صعدة!.
وكذلك صحف الدولة اليومية والاسبوعية فانها قد تُصدر ملحقات لتغطية الحرب في الصومال ولا تكلف نفسها عناء تفقد المقاتلين في صعدة، ولا ادري والله من هذا الداهية الذي اقنع المسؤولين في هذه الصحف ان ذلك يصب في مصلحة المعركة؟!.
ألا فليعلم الجميع ان القوات المرابطة هناك لا يهمها من يكون رئىس الحكومة باجمال أو علي مجور، ولا من يمسك حقيبة المالية العسلي أم الصهيبي.
نعم. لا يهمها كل ذلك بقدر ما يهمها تأمين الجبهة الخلفية لها وتجفيف المنابع الفكرية والإعلامية لهؤلاء المتمردين، ووقف مكائن التفريخ لهم سواء كان ذلك داخل العاصمة -وهي اماكن معروفة- أو في غيرها من المدن وهي معروفة كذلك.
لقد حدثنا التاريخ ان القائد الاسباني الذي حاصر العاصمة «مدريد» حاصرها باربع طوابير عسكرية وقال سندخلها بخمسة طوابير. وعندما سؤل كيف ذلك؟ قال: ان الطابور الخامس موجود في الداخل ويعني بهم «العملاء» ومن ذلك الوقت يطلق على العملاء «الطابور الخامس».
وفي بلادنا هناك طابور خامس وسادس بل وسابع، فقد يظهر واحد من هذا الطابور في صورة محلل سياسي ويقول كان من المفترض ان تلجأ الدولة للحوار. وهو يعلم علم اليقين ان الدولة عندنا تتحاور مع شيخ يملك عشرة بنادق وخمسة مرافقين، فما بالك بحركة متمردة وتملك معظم انواع الاسلحة اي ان الدولة قد حاورت حتى مل الحوار نفسه، وما كان حوار المتمردين في كل مرة إلا من باب استراحة المحارب بالنسبة لهم، فلجأت الدولة إلى آخر العلاج وهو «الكي» ومن الكي قد يجيء الشفاء.
كما انه في هذه الايام بالذات والتمرد يلفظ انفاسه الاخيرة ان شاء الله، نعم. في هذه الايام قد يظهر واحد من ابناء هذا الطابور بصورة الناصح الامين للدولة بأنها بيت عفو وان هؤلاء هم ابناؤها وقد عادوا إلى رشدهم ولا بأس بكسبهم ببعض المال من باب تأليف القلوب كما يحصل في كل مرة، نعم. قد يوجه هذه النصيحة.
ولكني شخصياً لا اعتقد ان الدولة ساذجة إلى هذه الدرجة، إلا اذا قد نزل القدر فذلك شيء آخر «فاذا نزل القدر عمي البصر».
اما اخطر أبناء هذا الطابور فهو الذي يحاول ان يشكك في نوايا القادة العسكريين هناك.
نعم. هذا هو اخطرهم فهو يهدف إلى تفكيك السلطة من الداخل وزرع الشك والريبة بين القادة والافراد.
فمتى يعلم الجميع ان المعركة ليست معركة رئىس الدولة أو معركة هذا القائد أو ذاك؛ بل انها معركة الوطن بأكمله من شماله إلى جنوبه، وعلى الجميع ان يدرك ان هذا الفكر الذي يحمله المتمردون هناك هو الذي انتزع الحجرالاسود من الكعبة المشرفة في مكة المكرمة ونقله إلى البحرين وظل هناك اكثر من ثمانية عشر عاماً، وهو الذي ردم بئر زمزم بجثث الحجيج، وهو الذي ادخل التتار إلى بغداد في الامس وادخل الاميركان إلى بغداد اليوم.
متى يفهم البعض ان محاولة تصفية حساب وهمي مع قبطان السفينة في هذا الوقت سيؤدي إلى غرق السفينة بأكملها.
وفي الاخير نقول للقوات التي تواجه التمرد في منطقة صعدة:
نشهد انكم قد بذلتم وضحيتم، وصبرتم وصابرتم، فجزاكم الله عنا خير الجزاء؛ ولذلك فان التاريخ عندما سيدون احداث اليمن في بداية القرن الواحد والعشرين فانه لا يستطيع ان يتجاوزكم، وكيف يتجاوزكم وقد قاتلتم لكي تظل اليمن صحيحة العقيدة وعربية الهوية.
فلا يملك التاريخ عند ذلك إلا ان ينحني اجلالاً وتعظيماً واعجاباً بكم، وببطولاتكم وتضحياتكم، افراداً وضباطاً، وقادة فنقول لمن استشهد منكم- ولا نعرفه- نقول ما قاله الخليفة عمر بن الخطاب عندما سأل احد قواده عن نتيجة المعركة مع العدو، فقال ذاك القائد: يا امير المؤمنين استشهد فلان، وفلان، وآخرون لا تعرفهم، فدمعت عينا عمر وقال :وما ضرهم ان عمر لا يعرفهم ما دام ان الله يعرفهم.