جلال بوشعيب فرحي#
بعد أربع سنوات من سقوط العاصمة العراقية في يد الاحتلال الأميركي،وبعد كل هذا الدمار الذي حل بالعراق، تجد الإدارة الأميركية صعوبة في إخراج جنودها من المستنقع العراقي،الذين أصبحوا يعيشون بين كماشة الهجمات التي اشتدت وطأتها وتسير بوتيرة متصاعدة، كما أن الوضع السياسي في العراق مازال غامضاً وقد عبر عن ذلك الكثير من المتابعين والسياسيين من بينهم الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى الذي قال : "إذا كان نظام صدام حسين قد صار من الماضي،فالثابت أن النظام العراقي الجديد الذي يتعين أن يحل محله أو يملأ الفراغ الناجم عن سقوطه وأفوله لم يظهر بعد، رغم ظهور مقدمات له"،ولعل في هذا التصريح تعبيراً واضحاً عن الوضع المأساوي الذي يعيشه العراق،والفجوة السياسية الشاسعة التي لا يمكن معالجتها في الوقت الراهن،وتحتاج إلى سنين عدة،بشرط أن تغادر الولايات المتحدة العراق في أسرع وقت،وتسلم السلطة للشعب العراقي مع مراعاة إشراك جميع الفئات في العملية السياسية بشكل ديمقراطي. .
جاءت الولايات المتحدة الأميركية إلى العراق تحمل شعار الديمقراطية فأين هي هذه الديمقراطية اليوم? وأين الشعارات التي كانت تحملها قبل أربع سنوات? أهذا هو النموذج الذي ينبغي أن تكون عليه باقي الدول العربية? وباقي دول العالم? إذا كان النظام العراقي السابق قد ارتكب جرائم ضد الإنسانية،فإن الولايات المتحدة اليوم ترتكب أشنع الجرائم في تاريخ البشرية،لقد تسببت في اندلاع حرب أهلية طائفية مذهبية في العراق،يذهب ضحيتها العشرات يومياً،وقد يمتد أثرها إلى كافة دول المنطقة،وتسببت في تدمير بلد بأكمله،بل وتسببت في تفتيته وتقسيمه،عراق اليوم بحاجة إلى وقفة عربية لمساعدته على التخلص من دوامة العنف التي يعيش فيها،كما ينبغي على العالم أن يضع حداً لهذا الوضع بمطالبة الولايات المتحدة بالخروج بأسرع وقت ممكن،وإعطاء الفرصة لإعادة إعمار العراق.
إن مشكلة الإدارة الأميركية أنها لا تريد الاعتراف بالخسارة في العراق،رغم أن كل المعطيات تشير إلى أن الأهداف الأميركية لم تتحقق ومن المستبعد أن يعود الاستقرار إلى العراق في السنوات القليلة القادمة إذا ما استمر الوجود الأميركي،وهذا ربما هو بيت القصيد الذي يستهدفه الديمقراطيون للوصول إلى السلطة في الولايات المتحدة،وقد قالها بوضوح زعيم الأغلبية الديمقراطية "هاري ريد" الذي أوضح أن الحرب في العراق خاسرة وأن القوات الأميركية الإضافية أرسلت ولم تنجح في إحلال السلام،وهذا يعني أن إدارة بوش طبقت جميع الوسائل لإعادة الاستقرار إلى العراق ولم تنجح،هذا إذا كانت فعلاً تريد الاستقرار للعراق،وفي الوقت نفسه فان بوش يقف على صفيحة ساخنة ولا يستطيع الخروج دون تحقيق ولو القليل من أهدافه لكي يحفظ ماء وجه جنوده،وحتى يكون الخروج مقبولاً من قبل الشعب الأميركي الذي بدأ يستاء من أسلوب إدارته،وبالتالي لم يبق أمام بوش سوى ترديد كلمة حماية الأمن القومي الأميركي فهي الغطاء الوحيد الذي يغطي به أخطاءه وإقناع شعبه بالحرب التي خاضها من أجل حماية بلاده.
الإدارة الأميركية تعيش أسوأ أيامها،خاصة بعد مطالبتها بوضع جدول زمني للانسحاب من العراق، وهي في الواقع لا تستطيع الانسحاب ما لم تحقق أهدافها ولو جزئياً، وتبرر بقاءها في العراق بعدم السماح للإرهاب بالخروج من العراق،وهو ما يمكن أن نسميه منطق الهجوم خير وسيلة للدفاع، بمعنى أن الولايات المتحدة اليوم تقوم بمطاردة الإرهاب في أو كاره، وهي سياسة خاطئة لأن الإرهاب لا يواجه بالقوة العسكرية أو بالعنف، كما أن الإرهاب لا موطن له وقد يظهر في الولايات المتحدة نفسها،وقد اتضح ذلك جلياً بعد فشلها في كبح جماح التطرف بالقوة العسكرية في أفغانستان والعراق،بل على العكس فإن منطق القوة رفع من حدة الإرهاب وأصبح الأمن العالمي مهدداً أكثر من السابق.
إذا استمرت الولايات المتحدة بهذه السياسة فإنها ستبقى في حالة حرب لعشرات السنين،وسيبقى الاضطراب والفوضى في الشرق الأوسط مستمراً،وهو ما قد يؤدي إلى ظهور الكثير من الجماعات الإرهابية والحركات المقاومة للغزو الأميركي ناهيك بتحد آخر وهو إيران التي تشكل مشكلة حقيقية لها ولمصالحها،خاصة بعدما تمكنت طهران من الوصول إلى التخصيب بإمكانياتها وقدراتها الخاصة،وباستطاعتها صنع سلاح نووي،وهو ما سيشكل تهديداً حقيقياً لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة . من دون أن ننسى كوريا الشمالية التي تمتلك السلاح النووي. بالإضافة إلى دول أخرى تكن العداء لسياسة الولايات المتحدة والتي قد تسعى في الأعوام القادمة إلى ضرب مصالحها،وإذا كان بوش والجمهوريون لا يريدون تشبيه حرب العراق بحرب الفيتنام فإن الواقع الحالي يؤكد أن جنود الولايات المتحدة سيواجهون في السنوات القادمة ما هو أسوأ من حرب الفيتنام،وسيأتي اليوم الذي سيضطر فيه بوش لإرسال مروحيات لإغاثة جنوده في العراق.
#كاتب مغربي -السعودية
jalalfarhi@yahoo.com