د. كمال بن محمد البعداني
لن نكون مبالغين اذا قلنا اننا هنا في اليمن نخوض مواجهة مع حركة متمردة مسلحة مدعومة من الخارج بكافة اشكال الدعم. نعم نخوض هذه المواجهة ولكن بطريقة تختلف عما يحصل في اي بلد من بلدان العالم يتعرض لحركة تمرد مماثلة، فمن المعلوم ان اي حركة من هذا النوع تكون لها وسائلها الاعلامية الخاصة بها والتي تنشر اخبارها وانتصاراتها ومحاولة جعل الناس يتلقون حولها، وهذا شيء طبيعي، ولكن الشيء الطبيعي ايضاً ان هذه الوسائل الاعلامية تصدر من خارج البلد الذي يحصل فيه مثل هذا التمرد، اما ان تصدر هذه الصحف من عاصمة الدولة نفسها فهذا شيء عجيب وغريب ولا يوجد إلا في اليمن السعيد، ففي الوقت الذي يخوض فيه الجيش معارك طاحنة في منطقة صعدة ضد حركة متمردة مدعومة بكافة انواع الدعم الداخلي والخارجي فإن هذا الجيش يتعرض في نفس الوقت إلى سهام موجهة من الخلف تحاول ارباكه والتقليل من منجزاته، وهذه السهام صادرة عن عاصمة الدولة وذلك من خلال الصحف الصادرة والناطقة باسم حركة التمرد تحت سمع وبصر الجهات المعنية في الدولة، فالذي يطالع هذه الصحف وما تنشره من اخبار حول المعركة يتبادر إلى ذهنه كلام الطابور الخامس الذي يقول ان الدولة غير جادة في مواجهة التمرد، فتأملوا معي إلى ما ذكرته احدى الصحف الاسبوعية في عددها الصادر الاسبوع الماضي، لقد ذكرت هذه الصحيفة ان الحوثيين اصبحوا يهددون القصر الجمهوري في صعدة وانهم يسيطرون على اربع مديريات ويتقدمون على جميع الجبهات وان المشايخ هناك والمواطنين هم ضد الجيش، وان الجيش نفسه معنوياته منهارة، وان اصحاب الحوثي يأخذون اسلحتهم الثقيلة من معسكرات الجيش.. يا ألطاف الله.. والله لو ان هذه الصحيفة تكلمت عن الجيش الاسرائيلي في قطاع غزة لما تكلمت عنه بهذا الشكل وبهذا الحقد، ولو ان المتمرد الحوثي نفسه اراد ان يرفع من معنويات اصحابه المنهارة وان ينال من الجيش لما وجد كلمات افضل مما كتب في هذه الصحيفة، وبعد ذلك نقول اننا نريد ان نقضي على التمرد بأقصى سرعة «بالمشمش كما يقول اخواننا في مصر»، اكاد اجزم انه من بين الاسباب الرئيسية لاطالة هذه المعركة هو تساهل الجهات المعنية في الدولة وسلبيتها العجيبة تجاه هذه الصحف وهي تروي قصص وحكايات وكرامات لاصحاب الحوثي، وكيف ان الحجر والشجر تقاتلان معهم، حتى ان احدى هذه الصحف تكلمت باعجاب شديد عما قالت ان طفلاً عمره «14» سنة على حد زعمها من اصحاب الحوثي قاد معركة في مزرعة من مزارع صعدة في مديرية غمر واخذت هذه الصحيفة تتكلم عنه وكأنها تتكلم عن اسامة بن زيد.. أليس هذا شيئاً عجيباً؟! أليس بعض المرتزقة عندما يقرأون هذه الصحف يقولون في انفسهم ما دام ان الامر بهذه السهولة وبهذه الكرامات فلماذا لا نذهب إلى هناك ونقاتل مع عصابة التمرد ثم نعود بعد فترة ومعنا مصروف العيال وما تيسر من السلاح والذخيرة؟ هل هذا كلام؟ هل يصح هذا؟ هل يجوز السكوت على مثل هذه الاشياء؟ وهنا اتذكر مقولة رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما حاصره المشركون في معركة احد فالتف حوله عشرة من الصحابة ثمانية من الانصار واثنان من المهاجرين واستشهد الانصار جميعهم فالتفت الرسول إلى صاحبيه وقال «ما انصفنا القوم» ونحن نقول ما انصفنا القوم، نعم.. ما انصفنا الجيش هناك، هذا الجيش الذي لم يخذلنا في يوم من الايام ابدا طوال تاريخه، ونحن هنا نخاطب الجهات المعنية في الدولة ونقول اين دوركم؟ اين المسميات الكبيرة من الامن القومي إلى الامن السياسي إلى نيابة الصحافة إلى جميع الجهات ذات العلاقة؟ نقول لهم :هل ما يجري يصب في المصلحة القومية للبلاد؟ اين دوركم؟ اذا لم يكن دوركم الآن فمتى يكون؟ انتم تعرفون ان الصريع حسين الحوثي استمر يغذي اصحابه بالافكار الضالة وذلك في الغرف المغلقة واحياناً كثيرة في الغرف المفتوحة وسط تغافل ولا مبالاة من اجهزة الدولة المعنية بالأمر، فتأثر به العشرات ثم المئات حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه من هذا الصدام الدامي، والآن ها هي الصحف الناطقة باسم التمرد والناشرة لبياناته العسكرية تخاطب الملايين، فلا تستهينوا بما تنشره هذه الصحف عن بطولات مزعومة للمتمردين وطعن لوطنية الجيش عندما تصفه بأن معنوياته منهارة. انها دعوة إلى كل من يرغب بالمواجهة المسلحة للدولة بأن ذلك شيء ممكن وبسهولة، وان الدولة ليست عصيَّة على من اراد ذلك، لا تستهينوا بما ينشر وستذكرون ما اقول لكم وافوض امري إلى الله، فمتى يدرك البعض ان المعركة في صعدة ليست معركة رئيس الدولة فقط أو القادة العسكريين هناك ولا معركة «هذه الصحيفة أو تلك» فالذي يعتقد انه بعيد عنها وسيحقق منها مكاسب ايا كانت نوعية هذه المكاسب، فهو واهم بلا شك وسيندم حيث لا ينفع الندم، فاتقوا الله في هذا البلد، ويجب ان تراعوا مشاعر الأسر التي استشهد من ابنائها في هذه الحرب، فماذا سيكون شعورها عندما تقرأ هذه الصحف وفيها مثل هذا الكلام الخطير وصادرة من عاصمة الدولة؟ بالتأكيد ستشعر هذه الاسر ان الدولة ساهمت في قتل ابنائها عندما سمحت لمثل هذه الصحف ان تنشر مثل هذا الكلام الذي يقوي شوكة التمرد ويحاول ان يوهن عزيمة الجيش، دعوا هذه الأسر تحس ان ابناءها استشهدوا في معركة مقدسة يلتف الجميع حولها، ولا تجعلوها تحس كأنه غرر بابنائها، وهنا نسأل سؤالاً: هل ما يجري في صعدة هو فعلاً تمرد مسلح «وهو كذلك» وبالتالي فإن اي محرض أو مشجع لهذا التمرد يعتبر مشاركاً فيه ويجب ان يحاسب؟ ام ان ما يجري هناك هو صراع بين ميليشيات وفصائل مسلحة كل له اعوانه وصحفه في الداخل؟ اجيبوا علينا ..هل هذه الصحف مفروضة من الخارج فلا تستطيعون ان تعملوا معها شيئاً؟ ام ان دماء الجنود هناك رخيصة عندكم إلى هذا الحد ما دام ان الامر بعيد عنكم؟ فاني اخشى والله ان البلاد تتعرض لاخطر مؤامرة بعد حرب الانفصال تنسج خيوط هذه المؤامرة بعناية فائقة خلف الكواليس ولا تحاولوا ان تقنعونا باسم الديمقراطية فإن هذا قناع زائف فالجميع يعلم انه لا تستطيع اي صحيفة أميركية حتى الآن ان تتحدث عن عدد القتلى الحقيقيين للجنود الاميركان في العراق. نعم في اميركا. هذه الدولة التي تهتف باسم الديمقراطية صباح مساء فاين نحن منها ومن صحفها واعلامها عندما نعرف ان احدى الصحف في بلادنا ذكرت زوراً وبهتاناً ان جثث الجيش تملأ شوارع مدينة ضحيان؟! ومع ذلك فانا شخصياً لا ألوم هذه الصحف فإن لها اهدافها المحددة والمرسومة وهي مكلفة بتنفيذها وتمشي واثقة الخطوة نحو ذلك، ومن الحماقة ان لا تستغل هذه الصحف هذا السياب من الجهات المعنية في الدولة وغياب الحزم في مثل هذه الظروف، يقول الله تعالى «لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا. ملعونين اينما ثقفوا اخذوا وقتلوا تقتيلاً. سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا» صدق الله العظيم. لقد وجه ربنا في هذه الآيات انذاراً شديد اللهجة لهؤلاء الناس والذي يطلق عليهم في عصرنا الحاضر «الطابور الخامس» وبين خطورتهم وعواقب التساهل معهم وكيف يجب التعامل معهم، فهل قال الله لرسوله يا محمد! دعهم يرجفون ويكذبون ويكتبون ويطعنون الجيش من الخلف في معركة الاحزاب؟! نعم دعهم يفعلون كل ذلك حتى تكسبون الرأي العام الدولي ويشهد لكم العالم انكم مع الديمقراطية؟ لا لم يقل ذلك سبحانه، فمن اصدق من الله قليلا، ومع ذلك ورغم المرارة التي نحس بها في نفوسنا فإننا نلتفت كما يحصل كل مرة إلى قوتنا وعزوتنا ومصدر فخرنا بعد الله تعالى، نعم.. نلتفت إلى الجيش اليمني العظيم فنقول لهؤلاء المتمردين :لا تغتروا بأنفسكم فلن يخدعنا فكركم أو يرهبنا اعلامكم فإن موعدكم يوم الزينة وكل ايامنا زينة في صعدة، فكيدوا كيدكم واجمعوا جمعكم ومرجعياتكم وصحفكم واموالكم وعملاءكم وعصيكم وحبالكم ثم ائتوا بهم جميعاً إلى هناك وألقوها في المعركة وسوف تجدون امامكم هذا الجيش العظيم من احفاد الفاتحين والذين سيتلقف ما صنعتم وسيقول لكم: قد خاب اليوم من افترى، انما صنعتم كيد خائن ولا يفلح الخائن حيث اتى، وعند ذلك ستقولون: آمنا برب الجيش ثم تخرون لله سجداً قبل ان يأذن لكم اسيادكم في الحوزة وذلك في يوم ترونه بعيداً ونراه قريبا بإذن الله.