أمين راشد*
سبق وأكدنا من خلال مقالات سابقة أن سبباً رئيسياً تمثل بوسائل الإعلام، أذكى نار الفتنة وحفّز المنفلتين البغاة في المرحلة الدامية الأخيرة التي لا زالت آثار الجراح فيها بارزة على جسد الشعب الفلسطيني والأمة بأسرها، وبالحد الأدنى شكل ذلك الإعلام تكتيماً وصمتاً مشيناً -في غير محله- بحق ما يجري على أرض الواقع، فرفع سقف الاعتداءات بحياديته المجرمة التي تجلت للعلن من خلال العناوين في نشرات الأخبار وتقارير المراسلين والأخبار العاجلة بتعاملها مع المسألة برمتها كمعادلة حسابية ساوت بين حدّين -المعتدي والمعتدى عليه- ابتعدت عن الأسس الحقيقية والأهداف السامية لمهنة الصحافة والإعلام في كشف الحقيقة ونقلها إلى الرأي العام بمصداقية عالية. في الوقت نفسه لا ننكر وجود ظروف موضوعية - حتى لا نَظلم- من خلال سيف التهديد والوعيد المشهر بوجه الإعلام الذي حدّ من الدور الأساسي في تجلية الحقيقة والتمايز بين الحق والباطل. ناهيك عن ذلك الإعلام الذي شكل فتنة ومطرقة مسلطة على الشعب بكل أطيافه، محققاً أهدافاً خبيثة، ذارفاً دموع التماسيح، لسانه يقطر كذباً ودجلاً، يعتلي أمواج العمالة والخيانة تفريطاً وذلاً وهواناً. .
وقد سبق أن تحدثنا حول هذه الموضوع بشكل منهجي من خلال إحدى المقالات التي تناولت إسقاطاً عملياً لمجموعة قراءات في أدوات الإعلام التضليلي ووسائله، وتم التطرق إلى كيفية مقاومة الإعلام التضليلي بالوسائل المختلفة عن طريق: «كشف التناقضات. . تحت قاعدة -حبل الكذب قصير-. . . . فلا بد من حصول تناقضات في الإعلام المضلِّل أو فلتات. . تفضح الممارسات -الافترائية- على مستوى الرأي العام. . . . . ».
لكنْ؛ لن أتطرق إلى الوقاحة والعهر السياسي الذي وصل إليه بعض الناطقين الإعلاميين المضللين فشكّلوا حالة من الفلتان الإعلامي والدجل السياسي، أشك في أن يكون التاريخ قد سجّل لغيرهم هذا الشرف الذي أدخلهم من أنجس الأبواب، فهل نتحدث عن تلك الشخصية الكرتونية الفكاهية التي من الواضح -من خلال انتقائها العبارات المميزة ذات الماركة المسجلة- أنها عملت حيناً من الدهر في تحرير النصوص لمرئيات مختصة بأفلام الكرتون للأطفال فتارة نسمع ضربة معلم وتارة البورصة الحمساوية وأخرى فوز الأربعة وعشرين قيراطاً والضفة بلا عاصفة والاستقصاف ووو. . . الخ، أم عن شاتم الذات الإلهية بالصوت والصورة، أم عن الانحطاط الخلقي في الرد الدبلوماسي على المحللين أو الكتّاب وتجلى بشكل فاضح أثناء استضافتهم على الشاشات الفضائية. لن نذكرهم بشيء، ونترك الأمر للقارئ أو المستمع ليستخلص العبرة ويضع العناوين المناسبة ويقرأ أسلوب الخطاب جيداً ويحلل فحواه ومدلولاته النفسية والخُلقية.
لكننا هنا، سنقف قليلاً في سبيل كشف الاستهتار بعقول الناس، وليس تجنياً على أحد، ولا غلواً في التشهير، لكنها قراءات ووقفات لا بد منها شكلت تناقضاً واضحاً، ومقتلاً إعلامياً، وفضحاً مخزياً لذلك الإعلام بأسياده ومخططاتهم العميلة التي لبست ثوب الوداعة والمسكنة حتى أذابت دموعُهم المزيفة سطورهم المنسوجة من آهات أبناء هذا الشعب. .
إن أطرف ما في هذا التنظيم ومما يدعو إلى الاستغراب، كون قادته وممثليه الكبار «الفاترينا» هم بعينهم أصحاب الفلتات والفضائح و«المخازي» الإعلامية وليس لأفرادهم فلتات تذكر إلى جانب «قدواتهم». . وستوضح قراءتنا ووقفاتنا التالية وستؤكد صدق ادعائنا في حالات محددة، فلن تحصي الأوراق ما صدر عنهم من فضائح، كتحقير مقاومة الشعب الفلسطيني، وحمق الصواريخ الفلسطينية وعبثيتها، وحرب الأحذية في اجتماعات المستوى القيادي الأعلى،. . . والخ. . فإليكم المهم :
أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون!!
لقد تم التعامل مع فاروق القدومي أبو اللطف مسؤول الدائرة السياسية لمنظمة التحرير-بعد إدانته لمرحلة البغي الأولى ووحدته مع باقي الفصائل الفلسطينية في الخارج في رفض الانتخابات المبكرة وتأكيده على التيار المتصهين في حركة فتح- بالتهميش وسحب الصلاحيات وسحق تاريخه النضالي وصفاته الرسمية والشخصية وإغلاق مكتبه في الأردن، وتوالت التصريحات التي أخرجته من المربع الفتحاوي «الأصيل» مُنَاهضة لحماس، وحين أصدر القدومي تصريحاً يلقي اللوم فيه على الدكتور محمود الزهار تهافت الإعلام الفتحاوي وعبر المواقع الرسمية باعتماد التصريح وصاحبه ونشره على المنابر الرسمية للحركة، واعتماد صفته الرسمية. . وتأكيد المتحدثين وبصمتهم له بالعشرة، ما يؤكد السياسة المعززة الفتنة.
فلتة ، لكنها قاتلة!!
رداً على تصريح صدر عن حركة المقاومة الإسلامية حماس يوم 19/5/ 2007م تحت عنوان «محاولات تصدير الفتنة إلى الضفة مرفوضة» في إدانة الاعتداءات التي حدثت في الضفة، أصدرت دائرة الإعلام المركزي لحركة فتح في الضفة الغربية تصريحاً على لسان الناطق الرسمي لها في الضفة بتاريخ 21/5/2007 تحت عنوان «قرار فتحاوي واضح بعدم تصدير الاقتتال من غزة إلى الضفة»، بعبارة أخرى «رائدة الاقتتال لا تريد أن تنقل مشروعها الفلتاني من غزة إلى الضفة». واللبيب بالإشارة يفهم.
عنزة ، ولو طارت!!
بعد الاطلاع على عدد كبير من التصريحات الفذة للمدعو عبد ربه، المترنح بين أحضان الأمركة الصهيونية والمداهنة العباسية -ولا فرق بين الاثنتين-، وجدنا تصريحاً ظريفاً يعكس حقيقة الرجل كلقيط سياسي وبكل موضوعية، فبتاريخ 20/5/2007م ومن خلال موقع الإعلام المركزي لحركة فتح وتحت عنوان: «. . . إطلاق الصواريخ ليس للمقاومة وإنما للوضع الداخلي» يقول عبد ربه: «. . . الواقع أن هناك انقلاباً تقوده حماس على أجهزة الأمن الفلسطينية حتى لو كانت هذه الأجهزة في غالبيتها من حركة فتح. . . »، يردّ على نفسه في ذات السياق. فهي عنزة ولو طارت. وحقاً، من قلة الخيل شدوا على الكلاب سروجاً!!
مَن يكفّر مَن ؟؟!!
درج تاريخياً على اللسان الفتحاوي الأصيل اتهام أبناء الحركة الإسلامية بتكفير الغير وتقسيم الناس إلى كفار ومؤمنين، وقد سُجّل هذا في أدبيات الحركة الفتحاوية حتى أنك لا تكاد تجد منشوراً إلا ويقوّل أبناء حماس ما لم يقولوه ويفتري بما لو صبغ بماء البحر لأفسده، وشهدت الأيام السابقة مقدار الدجل وكذب تلك الادعاءات، من خلال دحضهم أنفسهم من حيث لا يحتسبون، فسجّل الإعلام لناطقي فتح ومتحدثيها الكثير من اتهامهم لحماس وقادتها بالخوارج، حتى خرج من بين ظهورهم شيخ لا نسمع عنه إلا من خلال المواقع الاليكترونية الفتحاوية يختص باستخراج أوجه الشبه بين حماس واليهود تارة ، وتارة أخرى يبشر قادة الأجهزة الأمنية بالجنة عن طريق قتل الخوارج في آخر مقال له تحت عنوان : «أيها الضباط ورجال الأمن طوبى لمن قُتل منكم بأيديهم فإنهم الخوارج». وغيرها مثل « يقابلون الخوارج بالورود والتسامح». باختصار الشاذ لا يتداوله إلا الإعلام الشاذ.
«عمى» أم «استعماء». . «غباء» أم «استغباء»!!
أنكر الدكتور جمال نزال -ذو اللهجة الكرتونية- بتاريخ 4/4/2007 من خلال تصريح على وكالة أنباء «إيلاف» وجود تدريبات لعناصر من فتح في مصر بقوله:. . . فإن هذه الأنباء تهدف لتحقيق ثلاثة أهداف: أولها إضعاف حركة فتح وزعزعة أركانها وصورتها بالشارع الفلسطيني، وثانياً تقوية الجهات الفلسطينية التي تسير بعكس التيار، أما الهدف الثالث فهو إعطاب حركة فتح بصفتها حامية المشروع الوطني الفلسطيني. ونوه نزال إلى أن إسرائيل غير معنية في وجود فتح قوية حتى تتذرع كما هي العادة بأنه لا يوجد شريك فلسطيني، وقد سبق أن قلنا إن التاريخ سيفضحهم، وها هو يصدقنا، فماذا عن السبع حافلات التي دخلت من معبر رفح أم أنهم كانوا يستجمّون في صحراء سيناء وفجأة دخلت الحافلات التي تصادف لقاؤها معاً بمفاجأة فتح المعبر على حين غِرة ثم أغلق المعبر لوحده بعد دخولهم ؟؟!! وماذا عن شاحنات الأسلحة التي دخلت من المعابر والقذائف الجديدة في أرض غزة؟؟!! وماذا عن إسعاف جرحى فتح داخل المستشفيات الصهيونية في حين يرفض طلب المستشفيات لنقل احد المصابين فيستشهد القسامي محمد أحمد منصور 23 عاماً جرّاء ذلك بعد انتظاره خمسة أيام على معبر بيت حانون؟؟!! وماذا عن نقل الجنود وأفراد الأجهزة الأمنية وتهريبهم من خلال المعابر الصهيونية ؟؟!! أم تناسى الدكتور جمال نزال تهديده لوكالة معاً الإعلامية سابقاً، التي على إثرها استعبدها فصارت تنشر تصريحاته -المستهترة بالعقول- في زاوية الأخبار المختارة الرئيسية مع صورة ذات ابتسامة صفراء مميزة. فإن كان الدكتور في فتح يهدد، فكيف ب. . . !!
اللهم إنا نعوذ بك من هدوئهم وضجيجهم!!
ثم ماذا عن ذلك الهدوء العجيب السائد في الضفة الذي يتحدث عنه الدكتور جمال نزال خلال المرحلة الدموية الثانية في غزة، فلا أدري إن كان يقصد هدوء الغرفة التي يقطن فيها ؟؟!! أم الهدوء المتمثل في إحراق مقر رابطة أدباء بيت المقدس وإطلاق النار على مقر جمعية التطوير والازدهار في نابلس؟؟!! أم اختطاف أحد أئمة المساجد في رام الله لساعات وإطلاق سراحه بعد سرقة ما في جيبه من نقود ؟؟!! أم إحراق نقابة المعلمين ومكتب أحد المحامين في جنين ؟؟!! أم إطلاق النار على سيارة طلبة من جامعة النجاح للاشتباه بانتمائهم لحماس؟؟!! أم التهديدات المتواصلة لقادة حماس ومناصريها في الضفة الغربية؟؟!! والبيانات التي تهدد باستهداف حماس في الضفة ؟؟!! فاللهم إنا نعوذ بك من المنفلتين ونعوذ بك ربّ أن يهدأون !!
إن الدلالات لكل ما ذكر، تنبئ عن فوضى فكرية عارمة، وعداوة إستراتيجية لحماس عبّر عنها غازي الجبالي أحد قادة الأجهزة الأمنية سابقاً -المطلوب للعدالة حالياً بتهم اختلاس الأموال- حين صرّح أثناء وقفة خاطفة مع بعض وسائل الإعلام في مرحلة أوسلو بقوله: سنجتثهم من أوكارهم، الأمر الذي يعبّر عن مكنونات عميقة في العداء لديهم قد يقتضي التحالف مع الشيطان في سبيل التخلص من الخصم، وبلا شك فهي الصفة العامة السائدة النابعة من المصالح الشخصية والمحاصصة الداخلية، التي قد تؤدي إلى إحجام بعض قادته عن العمل إن حُرِم نصيبه من الكعكة أو قلّ، فتزيف شعاراته الكبرى التي طالما لعلع بها خلف تأثيرات صوتية ومرئية جعلت منه نجماً كبيراً في عالم السياسة والتكتيك والدبلوماسية والواقعية -وإن أنجبت تلك المظاهر البراقة خيانة وتفريطاً وضياعاً-.
كانت تعتريني الغرابة وأتعجب كثيراً حين أشاهد بعض الصور لقادة ذلك الفصيل بجانب أولمرت أو شارون أو كوندوليزا رايس أو جورج بوش أو. . . وأتساءل: كيف لا يخجلون من نشر هذه الصور على مرأى أمهات الشهداء والأسرى والجرحى بل كل أبناء الشعب الفلسطيني ؟؟ والأمر المشين حقاً والأكثر غرابة ودهشة، حين نجد من لا زال يتمسك بهذا الفصيل ويصفق لهؤلاء -أبطال الصور- بعد تجلي الخيانة بالصوت والصورة لقادته العظام، لكنني أدركت حقاً أن هذه الصور تشكل مرحلة من مراحل الانحدار والانهزام الوطني لهذا التنظيم، لا بد أن يمر بها في طريقه إلى الهاوية المدمرة، وإن ظهرت الكُرة المنحدرة كبيرة عظيمة جارفة في مرحلة ما !!
في النهاية، لا شك بأن الغوغائية المفرطة التي يتصف بها هذا التنظيم أمرٌ عظيم وأساسيٌ ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار لارتباطه الوثيق بأعباء التحرير ومقاومة الاحتلال، والخطر الداهم المتمثل في انفلات الواقع الداخلي لهذا التنظيم إلى الشارع الفلسطيني، لنحمي القضية والشعب والأرض من اعتبارها مجرد أوراق للمراهنة وفتل العضلات وتغييب طرف على حساب آخر.
Ameenrashid2007@yahoo. com