حسن الأشموري
دخل الليل للندن ذلك السبت البعيد من كل الاتجاهات ونانسي وزميلتيها على وشك أن يتممن توزيع عريضة المرافعات لإرجاع المعتقلين اليمانيين وغيرهم من غوانتانامو إلى بلدانهم الأربعين التي قدموا منها وإغلاق السجن ، وفيما تنهمك شقراوات تكساس وأوكلاهوما وأركنسا في الوقوف خلف معتقلي غوانتانامو سألني أحدهم- أظنه من الطبيعيين-: من أين يأتي الليل إلى لندن ؟ لم استسغ السؤال ذلك اليوم بالذات، فقد نذرت أن يكون يومي للتضامن مع نانسي وزميلتيها في تضامن مركب من أجل المعتقلين اليمانيين في غوانتانامو ولم أكن الوحيد الذي لحق بهن ليعبر عن تضامنه، إذ قدم للتضامن شباب وشابات في منتهى عنفوان الإنسانية من اليسار البريطاني وهؤلاء لا يلتقون البتة مع اليساريين اليمانيين ولا يسمعون حتى بهم لأنهم هناك لم يقتلوا أحداً ولم يسحلوا أحداً ولم يقفوا إلى جانب الإرهاب كما يصنع يساريو اليمن الذين دعموا الإرهاب في صعدة من أول يوم وتورطوا في ضخ دماء جديدة من اليمانيين المعروفين بفقر الدم لكثرة الجروح، فقط ليهدموا أركان الدولة بإضافة محن وكأنه لا يكفي كثرة المحن التي نعيشها، ويفعل هؤلاء اليسار اليمانيون باليمانيين في الدعاية لصوابية إرهاب الحوثيين ما يفعله الظواهري المستأنس بالإرهاب والدماء ، وإذا أردت أن تستوضح الصورة أكثر انظر إلى ملامح وجوه يساريينا تأملها بعمق امنح نفسك مسافات في فراسة فهم الملامح لترى كم هذه الملامح دوما متفجرة بالحنق والغضب من بعض ومن كل اليمانيين، إنها ملامح تجعلك تشعر بالقلق، المهم أن سؤال- هذا الطبيعي- عن ليل لندن أربكني رغم جمالية الروح في السؤال، كان سؤالا مغلفا بالرومانسية الشديدة، فقلت له :ليس المهم من أين يأتي الليل لكن كيف تكون لندن في الليل؟ هذه المدينة يهجرها عقلها كل مساء ليدخل القلب فقط إلى أزقتها وشوارعها وكل مواصلاتها ومطاعمها وباراتها التي فتحها المهاجرون القادمون من كل بلدان العالم، هذه الأماكن مليئة بالعاشقين وبالذين هربوا من الهيام واللاتي هربن منه ويقصدها أي هذه الأماكن الباحثون عنها بمن فيهم كل أولئك المحبطين من كثرة العواطف أو من انعدام الغرام لتسهر المدينة حينها مع هؤلاء المتسكعين من السكارى والتائهين من كل الأعمار، والوافدون من كل مكان بل والقادمون من مناطق الخليج العربي أو الفارسي حسب بعد وقرب أولئك من العرب أو إيران لتسميه بالعربي أو بالفارسي ، وهذا الأمر لا يهم لندن المدينة المدنية، لا المدينة المتسيسة وخصوصا أيام السبت لندن تترك السياسة ، فمساء السبت هو الجزء الأهم من عطلة نهاية الأسبوع ولا خبر في السياسة وإذا ما كنت خبيرا بسلوكيات الشعوب فكما نحن اليمانيين عنوان الإرهاب بسبب الحوثيين والقاعديين فإن الإنجليز يتربعون أيضا على مرتبة الشرف في السكر وإذا ما سكر البريطانيون فمن السهل سرقة أي شيء منهم وحتى بالإمكان سرقة نسائهم ورفيقاتهم ولا أقصد سرقة المحافظ النسوية بالتأكيد ولكن سرقة المرأة بكاملها لتعيدها له بكاملها في الصباح إذا رغبت هي في ذلك، هذا إن عرفت كيف تميز الصبح من الليل وإذا ما كان أحد مراجعك العظام المرجع الأعلى العظيم اليماني ملك الشعر امرؤ القيس في النظر إلى المرأة فإنك ستشعر بالامتنان للويسكي وأشقائه وشقيقاته ، وبالمقابل فإن البريطانيات إذا ما سكرن فإنهن أيضا يتخلين عن رفقائهن، تخلياً مقابل التخلي. هنا ليس المهم من أين يأتي الليل، المقلق أن يستمر النهار لمن ينتظر تضييع عقله بعد الغروب بقليل أما نانسي التي بدت لا تكترث لهجوم الليل فقد وزعت مع زميلتيها ثلاثة آلاف نسخة من العرائض، ثم جلست على الأرض ترخي مشاعرها لتتذكر خطيبها من ولاية مين شرق أميركا الذي تركها لأنها اختلفت معه في قضية الدفاع عن الغوانتاناميين، تقول إنه لا يكرههم ولكنه يعتقد أنهم يستحقون وضعهم ويعلل دوما لماذا كانوا هناك في أفغانستان بعيدين عن أوطانهم ، وهي لا تملك إجابة وعندما سألتني مثلما كان يسألها خطيبها أجبت بدوري حتى الذين في غوانتانامو لا يعرفون لماذا كانوا هناك أو بالأصح لماذا عادوا إلى هناك، وتابعت حديثي: ربما ليباعوا بمئات من الدولارات، لقد ساقهم الله رزق بيع ، لم يعجبها قصة الرزق بالبيع وتعليقي هذا، وقالت إنها لا تعرف كيف تبدو أشكالهم الآن، وتجيب على نفسها: الغالب أنهم بلحي طويلة غير مرتبة وكل خيالها هذا أتي من تلك الصور التي وزعها البنتاغون أو التقطها المصورون عن بعد وهي الصور التي يظهر فيها سجناء غوانتانامو بالملابس البرتقالية أو الموجة الثانية من الصور وقد ظهروا بقمصان بيضاء «ووزار» أبيض، ولكنها قالت إنها تعرف صورة المستر حمدان. . هكذا نطقت الاسم وهي تتحدث عن صورة يبدو فيها المستر حمدان يعجن شيئاً ما وقد جلس مبتسما على الأرض بلباس أقرب منه لأهل يافع منه للبس الحضارمة، والمستر حمدان أو السيد حمدان هو سالم احمد حمدان الذي ولد في أحد مناطق حضرموت عام 1970 وهو السجين رقم 149، وتقول صفحة الادعاء ضده والتي رفعها عند توجيه الاتهام له بالتآمر على أميركا وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، وهي تقرأ هكذا: يدعي السيد دونالد رامسفيلد «أو روبرت غيتس» وزير الدفاع الأميركي بالنيابة عن البنتاغون والولايات المتحدة على المستر سالم أحمد حمدان يماني الجنسية سائق السيد أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة وحارسه، بأن حمدان قام بكذا وكذا إلى آخر عريضة الاتهام، ولكن حمدان تمكن بالقضاء الأميركي أن يهزم بوش في محكمة العدل الأميركية العليا عندما رفضت المحاكمات العسكرية للغوانتاناميين عقب أن رفع دعوى ضد المحاكم العسكرية له ولزملائه، وفاز عليه أيضا بداية الشهر الجاري عندما اسقط القاضي العسكري النبيل الرائد كيث أولريد، تأملوا قاضٍ عسكري بكلمة واحدة فقط أسقط تهمة دعم الإرهاب عن سليم احمد حمدان، واعتبر قاضي المحكمة العسكرية في خليج غوانتانامو أن الحكومة الأميركية لم تنجح في إعطاء الدليل على أن حمدان كان مقاتلا معاديا خارج القانون، هؤلاء هم أميركيو نانسي وسيندي شيهان وعشرات الملايين من ضمير أميركا الحي حيث يحلم اليمانيون وكل العالم في الهجرة إليها وإليهم رغم شعار الموت الذي يرفعه الإرهابيون الحوثيون في وجه أميركا.