حفيد د. كمال بن محمد البعداني
مائة عام انقضت على احداث التمرد في منطقة صعدة التي جرت عام «2007م» من القرن الماضي وها نحن الآن في عام 2107م، هذه الاحداث قد لا يعرفها الكثير من ابناء هذا الجيل في عصرنا الحاضر، فالحقيقة ان احداث التمرد كانت قد بدأت عام «2004م» من القرن الماضي وكان ذلك في عهد علي عبدالله صالح الذي كان يرأس اليمن في ذلك الوقت والتي تحققت الوحدة اليمنية في عهده، وقد بدأت الاحداث بظهور رجل في منطقة «مران» بصعدة يدعى حسين بدر الدين الحوثي يطلب اعادة الحكم الامامي إلى اليمن مظللاً على اهدافه ورغباته بأنه يريد محاربة أميركا، وكانت أميركا في ذلك الوقت ما تزال دولة عظمى، وقد اجمع المؤرخون آنذاك ان الرجل كان قد اعتنق المذهب الاثني عشري الرافضي، ولذلك نجد ان علماء الزيدية كانوا قد تبرؤوا منه ومن أفكاره، ووقفت معه ايران وساعدته بالمال والسلاح، وكانت ايران ما يزال لها صولة وجولة في ذلك الوقت وليس كما هي الآن وخاصة بعد ان اخذ منها العراق منطقة الاهواز العربية، وتقول الروايات التاريخية آنذاك ان السفير الإيراني كان يسافر من صنعاء العاصمة إلى تلك المناطق في صعدة ويشرف على تدريب اصحاب الحوثي وسط غفلة تامة من بعض اجهزة الدولة وتغافل من البعض الآخر، ولذلك فما ان استعد حسين الحوثي بالتحصينات والخنادق والاسلحة المتطورة والاتباع الذين لا يفرقون بين الناقة والجمل، ما ان استعد حتى اعلن العصيان والتمرد المسلح على الحكومة المركزية في صنعاء تسانده الحوزات الاثنا عشرية في ايران، فاضطرت الدولة بعد مداراة عديدة إلى تجهيز حملة عسكرية إلى هناك، ودارت معارك عنيفه انتهت بمقتل حسين الحوثي واسر الكثير من اتباعه.. وهكذا انتهى التمرد الأول، إلا انه ونتيجة لعدم الحزم من الدولة في ذلك العصر فقد تجدد التمرد الثاني في عام 2005م من القرن الماضي بقيادة عبدالملك الحوثي، وهو شقيق للصريع حسين الحوثي، فدارت معارك انتهت بهدنة وبعد ذلك ارتكبت الدولة في ذلك الوقت خطأ فادحاً تمثل باعلانها العفو العام على المتمردين واطلاق سراحهم في السجون حتى الذين كان قد صدر في حقهم احكام قضائية تم العفو عنهم وتعويض الكثير منهم، وإلى الآن وبعد مضي مائة عام على تلك الاحداث لم يستطع اي مؤرخ ان يجد مبرراً واحداً لما اقدمت عليه الدولة آنذاك، إذ انه بمجرد خروج المساجين انطلقوا إلى الجبال والمناطق التي حدثت فيها المعارك من قبل واعلنوا التمرد مرة أخرى مع عبدالملك الحوثي، والمضحك ان الذين توسطوا لدى الدولة وزينوا لها العفو عن هؤلاء واخراجهم من السجون وان ذلك من باب تضميد الجراح، اخذ هؤلاء بعد ذلك يسخرون من الدولة ويشمتون بها عبر الصحف من انها عاجزة عن حسم التمرد ولا بد لها من الخضوع لمطالبهم، وقد ارسلت الدولة حملة عسكرية آنذاك لقمع التمرد والحقيقة ان المتمردين كانوا قد سيطروا في المرة الاخيرة على كثير من المناطق في ظل تساهل عجيب من بعض مسؤولي الدولة التي عينتهم في محافظة صعدة في تلك الفترة، وقد ركنت الدولة في ذلك الوقت على الحل السياسي أو حاولت ان تقنع نفسها بذلك غير مدركة ان خيوط التمرد تدار من «طهران» وليس من «مران» والتاريخ يروي لنا انه قد دارت هناك معارك عنيفة اظهرت فيها وحدات الجيش المقاتلة هناك وهي معروفة بالاسم في كتب التاريخ العسكري اظهرت هذه الوحدات بطولة فاقت التوقعات في منطقة تعد من اصعب المناطق الجغرافية من ناحية التضاريس وفي مناطق يسود في الجهل والتخلف ولكي يعرف القارئ في هذا العصر درجة الوعي آنذاك في تلك المناطق نقول له: ان اصحاب الحوثي الذين كانوا يقاتلون في التمرد الأخير عام 2007م كانوا لا يزالون يعتقدون ان حسين الحوثي يقاتل معهم وانه لم يقتل في عام 2004م وانما شبه لهم!! فقد عمد قادة الفكر الاثنى عشري الرافضي آنذاك إلى اختيار تلك المناطق لنشر افكارهم وثقافتهم إلا انه وللانصاف فقد كان الوعي بدأ يتبلور في عام 2007م في تلك المناطق وبين ابناء القبائل هناك، وكان للقبائل اليمنية في محافظة صعدة مساهمات فعالة في القضاء على التمرد، ويقول المؤرخون ان صحوة القبائل هناك قد أتت متأخرة ولكنها كانت فعالة، ومن خلال الوثائق التي بين ايدينا والذي حفظها لنا التاريخ وقامت بنشرها الحكومة مؤخراً نرى ان الجيش هناك كان يواجه عدواً من الأمام واعداء من الخلف، وكان ايضاً يتعرض لأقسى العبارات من قبل صحف الطابور الخامس وهذا الطابور الذي كان متغلغلاً داخل اجهزة الدولة وخارجها نجد انه قد لعب ادواراً خطيرة جداً خلال حروب التمرد التي جرت هناك ويتمثل بالآتي:
1- تزويد المتمردين بالمال والسلاح.
2- تعويض النقص العددي في صفوف المتمردين من خلال مكائن التفريخ المعروفة في ذلك الوقت والتي تحمل نفس الفكر.
3- محاولة تخفيف الضغط على الجبهة العسكرية للمتمردين من خلال فتح جبهة اقتصادية فقد عمل هذا الطابور من خلال تمركزه في الكثير من مفاصل الدولة على رفع اسعار سلع المواد الغذائية بصورة جنونية حتى ان الوثائق التي بين ايدينا تفيد ان السلعة الواحدة آنذاك كان يرتفع سعرها في اليوم الواحد اكثر من مرة وسط ذهول القيادات العليا بالدولة التي وقفت شبه مشلولة، والمضحك ان هذا الطابور قد حاول في الحرب الاخيرة التي كانت في عام 2007م وعندما اوشكت القوات الحكومية من حسم المعركة اخذ ينادي إلى وقف الحرب وإلى ضرورة الحوار وذلك عبر صحفه المعروفة آنذاك بل أنه استحدث صحف جديدة صدرت في عام 2007م مهمتها النيل من الجيش وقادته في منطقة صعدة، وقد حاول هذا الطابور ان يخدع الدولة كما هي العادة إلا ان الحقيقة ان الدولة كانت قد اتعظت مما جرى في السابق فلم تبتلع الطعم فقد استوعبت الدروس السابقة والتي كانت دروساً مؤلمة ومكلفة، وادركت ان هذا الطابور يريد اعطاء فرصة للمتمردين لالتقاط انفاسهم كالعادة فلم تمكنهم من ذلك وليتها فعلت ذلك من قبل.
والآن وبعد مرور اكثر من مائة عام على القضاء على احداث التمرد التي جرت في منطقة صعدة ها انا اكتب مقالي هذا في الدور العاشر لاحدى الفنادق الضخمة في مدينة صعدة وبالتحديد في حي «ضحيان» والذي يعتبر من ارقى الاحياء في مدينة صعدة، وقد يستغرب ابناء هذا الجبل عندما يعرفون ان حي «ضحيان» هذا كان قبل مائة عام عبارة عن مدينة صغيرة تبعد عن مدينة صعدة بأكثر من «35 كم» إلا انه مع التطور الذي شهدته مدينة صعدة وامتداد العمران التقت مدينة «ضحيان» بمدينة صعدة واصبحت حياً من احيائها الراقية وبها افخم جامع وهو جامع «الفاروق» المحاذي للابراج العملاقة التي يطلق عليها «ابراج الامام علي» وبها ايضاً مكتبة ضخمة مؤلفة من خمسة ادوار هي مكتبة «الصديق» القريبة من البنك الإسلامي المسمى «بنك عثمان».
انني عندما اكتب هذا المقال وأنا أسمع هدير السيارات عبر الكباري والانفاق وأزيز الطائرات الواصلة والمغادرة من مطار صعدة الدولي، وارى مئات السياح ينتشرون تحت اشجار الرمان والاعناب والفواكه على اضواء القناديل المتناثرة في كل مكان حول المدينة، عندما ارى ذلك اعود بذاكرتي إلى الخلف إلى ما قبل مائة عام أو اكثر وأتخيل سماع دوي المدافع وهدير الدبابات والمدرعات اثناء مواجهة التمرد في تلك المناطق من محافظة صعدة، عندما اتخيل ذلك تذرف عيناي بالدمع واتذكر من سقطوا في هذه المناطق من الافراد والضباط وهم يدافعون عن عقيدتنا وهويتنا ووحدة ارضنا، واتذكر القادة الذين كان لهم شرف مواجهة التمرد وكانوا ينامون في العراء وفي الجبال ويواجهون الموت في كل لحظة، فمن دماء هؤلاء اضأنا هذه القناديل المتناثرة حول صعدة ومن جماجمهم شيدنا الكباري والانفاق هنا.
فنقول لهم جميعاً: نشهد انكم قد بذلتم دماءكم وضحيتم وتقدمتم وما تراجعتم وجدتم بالنفس والجود بالنفس أقصى غاية الجود.. باختصار فعلتم كل شيء من أجلنا من اجل الاجيال التي اتت بعدكم فلكم منا السلام وهنيئاً لكم يا من قدمتم على الله وقد دافعتم عن عرض زوجات رسوله واصحاب رسوله، فرحمكم الله جميعاً سواء من استشهد منكم أو من كتبت له الحياة ومات على فراشه فيما بعد، فها نحن نتذكركم بعد رحيلكم وندعو لكم بالرحمة والغفران يا ابر الاجداد بالاحفاد.
وقد تذكرت وانا اكتب هذا المقال انني قد قرأت في احدى الصحف الصادرة صبيحة هذا اليوم في مدينة صعدة من ان المواطنين في احدى المناطق في صعدة قد قاموا بالقبض على رجل يدعي انه المهدي المنتظر ويرفع شعار «الموت للصين» ويدعو الناس ان يحجوا إلى كربلاء والنجف بدلاً من مكة المكرمة وعند التحقيق معه من قبل الشرطة اتضح انه من احفاد......